اعتبر البعض أن فقدان الساحة الدولية لشخص الرئيس مرسي بعد عزله هو خسارة للثورة السورية ونكسة لها أيضًا بعد خسارة الإخوان المسلمين للساحة المصرية.. حيث بني ذلك على موقف الرئيس المعزول الأخير الذي تم استنباطه من خطابه الأخير الذي ألقاه في مؤتمر (الأمة المصرية لدعم الثورة السورية) بتاريخ الخامس عشر من يونيه الفائت. فالطبيعة البشرية العربية عاطفية دومًا وطيبة القلب بالمجمل.. فهي تأسرها الخطابات الرنانة ولا تتذكر سوى آخر الكلمات التي تخرج من حناجر تعتلي المنصات وتصرخ بأي شيء يدغدغ عواطف المساكين من الشعوب.. نعم مرسي كان مغاليًا في دعم الشعب السوري خطابيًا في المؤتمر, ولكن بإمكان الجميع فهم خطاب مرسي وإخراجه من الموقف المبدئي له ببساطة إذا فهمنا الطبيعة الوصولية لتنظيم الإخوان المسلمين بالمجمل. ونحن هنا لا ننكر الفترة الذهبية التي عاشها ويعيشها السوريون الهاربون من جحيم الأسد وزبانيته في مصر فالأرض المصرية في فترة مرسي (وما بعد مرسي أيضًا) كانت مفتوحة للسوريين ومتاح لهم العمل بها والدراسة والسكن والإقامة دون أي قيود وما ساهم في ذلك سوى الطبيعة الإنسانية والعروبية للشعب المصري.. لقد حاول مرسي وبالعرض الحماسي الذي قدمه في المؤتمر اللعب على الحبال واستغلال العواطف فقط وبناء قناع (غيفارا) له.. وربما ذلك جعل البسطاء يظنون أن انقلابًا مبدئيًا تم على سياسة مرسي للانتصار للقضية السورية العادلة.. فيما كان ذلك ليس أكثر من تغيير في السياسة الإعلامية وبناء طوباوي آخر له يلجأ إليه حين تنكمش عليه المواقف وتخذله سياساته الأخرى في حق المصريين والعرب أيضًا. فالرئيس المعزول كان قد تعهد لإيرانوروسيا بالعمل على حل المشكلة السورية عن طريق اللجنة الثمانية (مصر وإيرانوروسيا وتركيا وبعض المنظمات الأممية والحكومة السورية والمعارضة التي تقبلها الحكومة السورية) وهذه اللجنة اقترحها مرسي أثناء زياراته لإيرانوروسيا واجتماعه لأكثر من مرة مع بوتين ونجاد وإقراره بأن إيران جزء من الحل وليس من المشكلة. لقد كانت المواقف الحقيقية الفعلية لمرسي وللجماعة تعمل باتجاه آخر بعيدًا عن الهم الشعبي العربي المتعاطف مع الشعب السورية وبتحرك مرن متطابق مع مصالح الإخوان التي كانت على علاقات قوية مع إيران منذ (الثورة الإسلامية) في طهران.. وبنفس الوقت كانت هذه المواقف ترغب في بناء علاقات اقتصادية وعسكرية متطورة مع روسيا رغم الحنق العربي على كلا الدولتين.. مما جعل الرئيس المخلوع يتحرك مع المواقف الروسية والإيرانية كما تحركت هذه المواقف وهذا ما اعترف به الرئيس المعزول محمد مرسي بنفسه خلال زيارته لموسكو بتاريخ الثالث والعشرين من إبريل من العام الجاري أي قبل شهرين من المؤتمر الخاص بدعم الشعب السوري..!. لقد عمل مرسي خلال زيارتيه لموسكووإيران بين شهر مارس وإبريل على محاولة مقايضة الطرفين على مواقف مصر القومية مقابل العلاقات المشتركة المقترح تطوريها مع موسكووطهران والتي قد تكون خطوة نحو تطوير حلف (البريكس) بانضمامه له مع تحسين صورة الحلف بإشراك تركيا بذلك.. مع اعتبار أن القضية السورية هي قضية عابرة يجب التخلص من عبئها بأي من الوسائل مقابل هذا الحلف الذي فشل لسذاجة الطرح المصري حينها وعدالة القضية السورية التي لم يستطع احتواءها بما يشتهي. لقد حاول مرسي تبرئة النظام الإيراني من دعم النظام السوري لقتل شعبه وفشل أيضًا في الدعم الحقيقي للثورة السورية في حين كان الشعب المصري يقوم بالدعم الذاتي رافضًا لكل أشكال التقارب الخبيث بين الإخوان ومعممي إيران لمعرفته بالمشروع الإيراني المستهدف للوطن العربي وكذلك بدور طهران الرئيسي في قمع الشعب السوري. ورغم التعاطف الشعبي المصري مع الثورة السورية ومعرفة هذا الشعب بالدور الماكر الذي تقوم به إيران.. فلقد حاول الدكتور مرسي مدعومًا بجماعة الإخوان المسلمين القيام بخطوات متصاعدة في التقرب للمعسكر الإيراني رغم إدراكه لدور طهران في مذابح سوريا.. وقام بعدة خطوات مثل إلغاء شرط التأشيرة المسبقة على الوافدين من كلا البلدين، كما قام المهندس خيرت الشاطر القيادي الإخواني بشراء وتشغيل سبع طائرات على خط طهرانالقاهرة لنقل العمالة المصرية إلى طهران ونقل (الحجاج) الإيرانيين لمصر.. هذا التقارب العملي كان بنفس الوقت ونفس المطارات الذي تخرج منه الطائرات الإيرانية محملة بالباسيج والحرس الثوري الإيراني والأسلحة متجهة إلى دمشق لقتل الشعب السوري. لقد التفت مرسي للثورة السورية إعلاميًا بعد أن فشل في تهميش عروبة مصر ونزعها من حضنها المفترض هروبًا نحو مشروع إمارة الإسلام السياسي الإخواني والتي كانت تستعد للتحالف مع الشياطين لأجل السلطة، وما قصة إعادة السفير المصري لسوريا واستقبال السفير السوري في مصر إلا غيضًا من فيض هذا البرغماتي. لم تخسر الثورة السورية أو اللاجئون السوريون في مصر شيئًا من عزل مرسي.. بل ربحت الحقيقة مجردة من كل التفاصيل الضبابية والتجميلية وربحت بربح شعب مصر العملاق لمصيره وقراره واستقلاله وحريته وعروبته حين تم عزل تجار المواقف لأجل السلطة عن سدة الحكم.