"عزت شاهين".. إسم قد لا يعرفه الكثيرون، بالرغم من أنه الرجل الذي قدم الكثير من أجل قضايانا، ومن أجله قامت المظاهرات في العديد من دول العالم، حتى تم الإفراج عنه مساء أمس الأول. هو ناشط تركي، ومدير هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية في الضفة الغربية، ألقت قوات الجيش الإسرائيلي القبض عليه منذ ثلاثة أسابيع، أثناء عبوره من إحدى نقاط التفتيش بمنطقة بيت لحم، حيث وضع في سجن عسقلان دون عرضه على المحكمة، وعومل بقسوة ملحوظة من خلال تكبيله وحرمانه من الطعام والشراب لمدة 30 ساعة متواصلة، كل ذلك بتهمة (تقديم خدمة لجهة معادية) وهي التهمة التي ألصقت به بعد أن قرر وزير الدفاع الإسرائيلي وقف عمل هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية وطردها، واعتبارها جهة معادية، ولم لا؟.. وهي واحدة من أهم الهيئات التي تحمل على عاتقها تنظيم أسطول الحرية البحري، الذي سيخترق الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة. الحدث الكبير الذي سيشهده الأسبوع المقبل لم ينل النصيب الكافي من الاهتمام الإعلامي بالرغم من أهميته الشديدة، فهذه المرة لا يتعلق الأمر بسفينة واحدة لفك الحصار، أو محاولات فردية لناشطين مهتمين بالشأن الفلسطيني، وإنما يتعدى الأمر ذلك ليتحول إلى قضية تحدي جماعي، وتمرد على الهيمنة الإسرائيلية، من خلال أسطول بحري متكامل يتكون من عشرة سفن، انطلقت بالفعل من أيرلندا وتركيا والسويد واليونان، وعلى متنها قرابة الألف مشارك من البرلمانيين والسياسيين الأوروبيين من 20 دولة، بالإضافة إلى آلاف الأطنان من المساعدات والمنازل الجاهزة والأسمنت والأدوية، حيث ستلتقي كل السفن في نقطة محددة قبالة سواحل قبرص، لتنطلق مجتمعة وتخترق الحصار البحري، وتصل في صباح السابع والعشرين من مايو إلى شواطئ غزة، الجميل في الحدث هذه المرة أن الحملة نسقت مع كبرى وسائل الإعلام الغربية والقنوات التلفزيونية للمشاركة في الرحلة، وعلى رأسها شبكة "يورونيوز" التي ستقوم بتقديم بث مباشر للرحلة باللغات الأوروبية المختلفة، وبالتالي فإن أية محاولة للتعرض لأسطول السفن في عرض البحر سيتم فضحه مباشرة أمام العالم، كذلك فقد تم دراسة الناحية القانونية بشكل جيد، فإذا قامت السلطات الصهيونية باعتراض الأسطول، فبإمكان الحملة مقاضاتها في المحاكم الأوروبية، فستكون السفن أوروبية ومسجلة بصورة رسمية، كما أنها ستبحر في المياه الدولية وليس للجانب الصهيوني الحق في اعتراضها، وإلا ستعتبر من الناحية القانونية قرصنة دولية. إسرائيل من جانبها أخذت الأمر على محمل الجد، واتخذت قرارًا واضحًا بمنع السفن من الوصول إلى شواطئ غزة مهما كلف ذلك، وصل الأمر إلى الاستدعاء الرسمي لسفراء الدول الأوروبية التي يشارك مواطنوها في الأسطول وإبلاغهم بأن إسرائيل لن تسمح لتلك السفن بالعبور، والأخبار القادمة من هناك تتحدث عن عملية عسكرية واسعة النطاق في عرض البحر المتوسط لمنع السفن من الوصول إلى غزة، حيث سيشترك نصف سلاح البحرية الإسرائيلي في العملية، بالإضافة إلى وحدة الكوماندوز البحري 13، وهذه الخطة حظيت بموافقة المجلس الأمني الوزاري المصغر، وستتم بإشراف وزير الدفاع الإسرائيلي "ايهود باراك" بنفسه، وبمشاركة قائد الأركان، على أن يتم إطلاع رئيس الحكومة على سير العملية. وبالرغم من كل تلك التهديدات الإسرائيلية التي تصل إلى حد الوقاحة، إلا أن ذلك لم يزد عزائم الرجال المنظمين للحملة إلا إصرارًا، فالنائب السويسري "جوزيف زيزياديس" أعلنها صريحة بأن رحلة الأسطول ستكون باتجاه واحد إلى قطاع غزة مهما كانت الضغوط والتهديدات، وأنه لن يعود إلا بعد إيصال المساعدات إلى أصحابها، وطالب العالم بأن يستفيق من سباته، وأن يقوم بطي صفحة أطول حصار وعار في التاريخ المعاصر. من الواجب علينا جميعًا أن نعرف من هي تلك الهيئات التي تقف بحماس منقطع النظير لأجل القضية الفلسطينية، ورفع الحصار عن شعب غزة، لدرجة التضحية بأرواحهم، وخوض غمار التحدي أمام العدو الصهيوني الذي لا يعرف الهزل، ما كان لبشر على الإطلاق أن يتوجه باللوم إلى هؤلاء الرجال على تخاذلهم تجاه الشعب الفلسطيني، القضية ليست قضيتهم، لا يجمعهم بنا لغة مشتركة أو دين واحد، كان بإمكانهم التذرع بالانقسام الفلسطيني، أو التحجج بسيطرة حماس على غزة من أجل وقف التفكير في تلك القضية، والبحث عن راحة البال، ولكن العكس من ذلك كان هو الحاصل.. فعلى رأس المنظمين تأتي (الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة) التي تتخذ من العاصمة البلجيكية "بروكسل" مقرًا لها، وتضم في عضويتها 30 منظمة أهلية من مختلف دول أوروبا، كما يدعمها بشكل واضح 48 من أعضاء البرلمان بأوروبا، وفي كل يوم يزداد عدد المؤيدين للحملة سواء من السياسيين أو الشعوب هناك، فالقائمين عليها لم يدخروا جهدًا في سبيل توصيل القضية، وطرق جميع الأبواب، وكان آخرها الحملة الضاغطة في البرلمانات الأوروبية لفك الحصار عن غزة، والتي تستمر شهرًا يتم خلالها لقاء وفود برلمانية لكل الدول، بمن فيهم "خافيير سولانا" مسئول الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي. يبرز في مشهد الإعداد والتنظيم لأسطول الحرية منظمتان بارزتان، الأولى هي (هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية) التركية، التي تضم فروعًا في أكثر من 120 دولة حول العالم وتهتم بتقديم جميع أنواع الدعم للمصابين والمظلومين في شتى أنحاء الأرض، والثانية هي منظمة (بيردانا للسلام العالمي) الماليزية والتي يساندها بقوة رئيس الوزراء الماليزي السابق "مهاتير محمد"، أما الموقف الرسمي العربي فلم يخرج عن سياقه المعتاد سوى الجزائر، التي أعلنت وبشجاعة مشاركتها بسفينة كاملة في حملة فك الحصار، من خلال حركة مجتمع السلم الجزائرية التي قامت بتمويل هذه السفينة وشرائها بالنيابة عن الشعب الجزائري. أربعة أعوام كاملة مرت على الحصار المفروض على شعب غزة، لن أتحدث عن الموقف الرسمي العربي الذي نعرفه جميعًا، ولكن الأمل الآن ينعقد فقط على الشعوب، لسنا أقل من المتعاطفين في السويد أو اليونان، الذين قاموا بشراء السفن وتجهيزها، نحن أصحاب القضية، لا يكفي أن تبدي إعجابك في النهاية برجولة أهل أوروبا، كما أنه لا يكفينا أن تصب غضبك على الأنظمة العربية المشاركة في الحصار، بل صارح نفسك.. وتذكر ما قدمته من دعم للقضية الفلسطينية، وما يمكن أن تساهم به اليوم من أجل حسم معركة التحدي، إذا توفرت لديك الإرادة، وشعرت بأهمية القضية، وعاشت في قلبك، فلن تعدم حيلة، وسوف تجد ألف طريقة لنصرة شعب فلسطين وأهل غزة المحاصرين. [email protected]