هناك مشكلة حقيقية في الديبلوماسية المصرية تكشفها الاضطرابات العديدة التي تحدث في مواقف بعضها تافه دون أن نرى أي بصمة للديبلوماسية المصرية فيها إلا بعد خراب مالطا ، هل تذكرون فضيحة "المعركة الكبرى" مع الجزائر على خلفية مباراة للكرة ، وكيف تفاقمت الأمور ووصلت إلى حدود خطرة، وخاص فيها الإعلام الرسمي والخاص وشخصيات حزبية وسياسية وغيرها ، دون أن تسمع شيئا للديبلوماسية المصرية ، وبعد أن تم تفخيخ العلاقات بدأ صوت وزير الخارجية المصرية يظهر على استحياء مطالبا بتجاوز هذا الخلاف الرياضي العارض! ، هذا الضعف في الديبلوماسية المصرية هو الذي جعل وزارة الخارجية أكثر الوزارات اضطرابا وتغييرا لوزيرها خلال عصر مبارك ، كما أن ضعف الديبلوماسية المصرية جعل العديد من الملفات الهامة في القضايا الخارجية يتم نقلها إلى المخابرات العامة لأنها أكفأ من الخارجية في إدارة شؤون مصر الخارجية ، بما يعني أن الخارجية يقتصر دورها حاليا على الشؤون القنصلية كتحصيل الدمغات وإصدار جوازات السفر للعاملين في الخارج ، دائما كانت الخارجية المصرية "درة جبين الدولة المصرية" ، مميزة برجالها وبوزرائها ، ودائما كانت الخارجية المصرية مصنعا لخيرة رجال مصر ، ولم يحدث أن استقال وزير مصري علانية في خلاف مع سياسة رئيس الدولة إلا وزراء الخارجية ، من منطلق إحساس عال بالمسؤولية والولاء للوطن وليس لشخص الرئيس ، اختلف الحال في عهد الرئيس مبارك ، أسوأ وزراء خارجية في تاريخ مصر هم هؤلاء الذين تولوا المسؤولية في عهد الرئيس مبارك ، وكأن "الفرازة" كانت تختار الأسوأ دائما من بين كل المرشحين ، ولذلك كان من الصعب أن تحدد ملامح لاستراتيجية مصرية واضحة في العلاقات الخارجية طوال المرحلة الماضية ، تستطيع أن تقول أنها خبط عشواء ، وتأمل الرؤية المصرية من ملف العراق أو أفغانستان أو إيران أو القرن الأفريقي أو السودان أو فلسطين أو المغرب العربي أو العلاقات مع الصين وروسيا والهند ككتل سياسية واقتصادية كبيرة ، لن تستطيع الخروج برؤية محددة لاستراتيجية مصرية واضحة أو حتى موقف مصري واضح ، أحيانا تتم المواقف على خلفيات شخصية، وبين أسبوع وما يليه تجد الموقف ونقيضه ، وقبل سنوات كنا على وشك أن نخسر السودان نفسه ، على خلفية سوء ظن وسوء تقدير وشخصانية مفرطة في فهم علاقات الدول وضعف الإدراك لحسابات الأمن القومي للدولة وليس الأمن الشخصي للرئيس ، وتحرشت الخارجية المصرية وجهات أخرى بالسودان وشؤونها وحتى الحدود المصرية وافتعلنا مشكلات "خايبة" لا يليق بدولة في حجم مصر أن تفتعل مثلها ، ناهيك عن الإهمال الخطير لعلاقاتنا التاريخية مع دول حوض النيل رغم أنها من صميم الأمن القومي المصري ، وظل الموقف الرسمي المصري على خصومة وكراهية مع فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي ، رغم أن جميع دول المنطقة كانت قد فتحت قنوات اتصال معهم لأنهم واقع حقيقي وأوراق لعب أساسية ، ولم تفكر مصر في التراجع عن هذا "العناد" الشخصي والكراهية لكل ما هو إسلامي ، إلا بعد أن أدركت أن جميع دول المنطقة بما في ذلك تركيا والسعودية والخليج إضافة إلى إيران وسوريا وصولا إلى روسيا فتحت قنوات اتصال ، وأن الذي تهمش هو مصر وليس المقاومة الفلسطينية ، فبدأوا في استضافة قياداتها وفتح خطوط اتصال ومحاولة استرجاع ما تم خسارته من حضور الدور المصري ، وفي الملف العراقي واللبناني يتجلى الهوان المصري بكل مواجعه ، يلعب الجميع ، حتى الدويلات الصغيرة ، والغائب الوحيد هو مصر ، على مدار التاريخ كانت مصر قوة الدفع والتأثير الأساسي في محيطها الجغرافي ، وأمن المنطقة السياسي والاقتصادي واستقرارها يرتبط بها ، وأمن مصر السياسي والاقتصادي ممتد في عمق هذا المحيط ، ثم ظل التخبط وغياب الرؤية يدفعانها إلى الانزواء والتهميش والتراجع ، حتى وصلت إلى مستوى تهديدها في شريان الحياة ، النيل ، من دول في وزن وثقل : أوغندا واثيوبيا وتنزانيا . [email protected]