فى الوقت الذى تشهد فيه تصريحات كل من الجيش وجماعة الإخوان المسلمين تصعيداً متبادلاً، سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الضوء على الجهود التى قالت إنها تبذل وراء الكواليس للتوصل لإتفاق بين الطرفين ينزع فتيل الأزمة السياسية التى تعصف بالبلاد. وقالت الصحيفة، إن الجهود المكثفة التى يقودها رموز سياسية مصرية وعدد من الدبلوماسيين لم تحقق أى تقدم يذكر حتى الآن بسبب رفض الجيش إطلاق سراح الرئيس المعزول، محمد مرسي، من جانب وإصرار الإخوان المسلمين على أن يتراجع الجيش عن انقلابه ويعيد مرسى للسلطة كشرط مسبق قبل أى تسوية من جانب آخر. ويصف الوسطاء الوضع بأنه "قاتم"، مشيرين إلى أنه يبدو أن الإخوان المسلمين لم تستوعب حتى الآن أن مرسى لن يعود مرة أخرى لمنصبه السابق. وقال أحد الوسطاء للصحيفة الأمريكية، إن "الجيش على استعداد فقط للحديث عن المستقبل، ليس الأمس أو أمس الأول"، مؤكداً أن الجيش "طوى صفحة مرسى". غير أن التفاوت بين ما يطلبه الإخوان وما يعرضه الجيش ليس العقبة الوحيدة أمام تلك الجهود، ففى الآونة الأخيرة بدأت أصوات تتصاعد من دوائر غربية مطالبة السلطات المصرية بتحديد وضع الرئيس المعزول القانونى وإطلاق سراحه إذا لم تكن هناك اتهامات ضده. ومع تصاعد تلك الأصوات بدأت النيابة العامة فى مصر تكثيف جهودها للتحقيق فى الدعاوى المختلفة المقدمة ضد مرسى استعدادًا لتوجيه اتهامات رسمية، مما يثير المخاوف من أن تؤدى هذه الخطوة إلى موجة جديدة من الاضطرابات. وترى هبة مورايف، ممثل منظمة "هيومن رايتس ووتش" فى القاهرة، أن مثل هذه الاتهامات ستكون بمثابة "إشارة النهاية لأى صفقة سياسية محتملة". وقالت مورايف "سيكون قد تم اتخاذ هذا القرار لإستبعادهم من النظام السياسي. أعتقد أن هذا سيؤدى لمظاهرات على الأرجح ستقود إلى عنف واعتقالات جماعية للإخوان المسلمين". وبالرغم من الأنباء المستمرة عن محادثات مباشرة فإن الإخوان المسلمين لا زالوا ينفون وبقوة قيامهم بالتفاوض مع الجيش وجهاً لوجه. وبحسب الصحيفة، فإن انقطاع الاتصال مع مرسى جعل الأمور أكثر تعقيداً لرفاقه فى الخارج. وأشارت الصحيفة إلى أن بعض من قادة الحركة حثوا مرسى فى الشهور التى سبقت عزله على الوصول لاتفاق مع الجيش ولكنه كان يرفض ذلك. وأضافت أن الدبلوماسيين والسياسيين الذين يمررون الرسائل بين الطرفين يحاولون تحذير قادة مصر الجدد أن أى محاولة لقمع الإخوان المسلمين سيكون مصيرها الفشل. وشدد أحد الوسطاء – رفضت الصحيفة الكشف عن هويته- على أن أحداً لا يستطيع استبعاد جماعة الإخوان قائلاً: "لقد فعلنا ما لا يمكن تصوره بهم: شنقناهم، وعذبناهم، وألقيناهم بالسجون، وأرسلناهم لمراكز الإحتجاز، فهل ماتوا؟ هل انقرضوا؟ هل اختفوا؟ لا". وأشار الوسيط الذى قالت الصحيفة، إنه مقرب من مسئولين عسكريين رفيعى المستوى، أن التنازلات المستعد الجيش لتقديمها هى إطلاق سراح القادة المحتجزين، وإعادة فتح القنوات الإسلامية، وضمان ألا يتم حظر جماعة الإخوان. غير أن عمرو دراج، القيادى بحزب الحرية والعدالة، قال إن ما يحدث ليس مفاوضات ولكنه أشبه ب"وضع مسدس على رأسك". وأعرب دراج وغيره من قادة الجماعة، عن شعورهم المتزايد بالعزلة، وانعدام ثقتهم فى الجيش ودوافعه. ويقول قادة الجماعة، إن الدبلوماسيين الذين التقوا بهم أعربوا عن تعاطفهم معهم وحتى وصفوا الإطاحة بمرسى ب"الانقلاب العسكري"، ولكنهم ضغطوا مرارًا على الإسلاميين للمضى قدماً. وأكد القيادى الإخواني، محمد على بشر، للصحيفة أنه التقى بالسفير الإيطالى بالقاهرة والذى أخبره بأن "الانتخابات السريعة هى الحل"، وأن الجماعة بإمكانها أن تكون جزءًا من تلك الانتخابات. ولكن بشر يرى أنه لن تكون هناك أى انتخابات فى القريب العاجل، قائلاً "إنه لا يفهم. لا أحد يفهم". ولفتت الصحيفة إلى أن انعدام ثقة الإخوان بالجيش نابع من شعورهم بأن الفريق عبد الفتاح السيسى خانهم. حيث قال مسئول بارز بالجماعة أن "السيسى قال لمرسى قبل يومين من الانقلاب (رقبتى قبل رقبتك يا ريس)"، وأنه بعث برسائل للجماعة كانت بمثابة مهدئات ثم "قام بخداعنا". وأضاف المسئول "حتى لو وعدنا بكل شىء وجهاً لوجه وأقسم لنا مباشرة أنه شخصياً سيفعل هذا أو ذاك، فما زلنا لن نصدقه". واختتمت الصحيفة مشيرة إلى وجود دلائل على أن موقف البعض من قادة الجماعة بدأ يلين، ولكن لا توجد أى إشارة على تراجعهم عن مطلبهم الأساسى بعودة مرسى إلى منصبه حتى ولو للحظة واحدة قبل أن يعلن تنحيه.