رغم أننا فى مقال سابق استبعدنا فكرة حصار الرئيس مرسى بنفس الطريقة التى تمت مع مبارك، وقلنا حينها إن قصر اتحادية مرسى مختلف عن قصر اتحادية مبارك، إلا أننا بعد عام واحد فقط من رئاسة الرجل فوجئنا بما لم يكن فى الحسبان ولم يتوقعه أحد. فلم يكن من المتصور أن تخرج الجماهير على الرجل بهذا الشكل الكبير، وتحاصره فى كل مكان يقطنه، وعبر والأماكن المتوقع تواجده بها. صحيح أن حصار مرسى بدأ منذ فترة مبكرة، بحصار مؤسسات الدولة له، مع دخوله فى صدام معها وحصار جماعة من أنصاره لبعضها، ثم نجاج تلك المؤسسات فى عزله تمامًا، فلا الجيش ولا الشرطة ولا القضاء ولا الإعلام كانوا معه، إلا أن الصحيح أيضًا أن الحصار الشعبى للرجل كان على غير المتوقع ومن المستحيل حدوثه بهذا الشكل والسرعة. فبعد عام واحد من حكم الرجل لم يعد هو الشخص الذى عقدت عليه الجماهير آمالها، وأعطته الشرعية ليكون رئيسها بعد أهم ثورة شعبية فى تاريخها المعاصر. فما الذى شحن كل هذا الغضب ضد مرسى الرئيس مرسى فى تلك الفترة الوجيزة؟ هذا السؤال مهم للغاية لكننا سنؤجله لمقال لاحق، فما يعنينا هنا هو الحديث عن حصار الرجل وكيف تم. تزعمت حركة تمرد حصار الرئيس مرسى فى المقرات الرسمية للدولة، وأعلنت ذلك فى بياناتها الصحفية أنها ستتواجد حول قصر الاتحادية وفى ميدان التحرير. غير أن الهبة الأولى لثورة 30 يونيه 2013 وعدم تجاوب الرجل مع الملايين التى خرجت فى القاهرة الكبرى والمحافظات، جعلها تضيف قصر القبة والحرس الجمهورى على أجندة الحصار منذ الأول من يوليو 2013. فحينما اتضح أن الرئيس موجود فى الحرس الجمهورى، وأنه يمارس عمله فى قصر القبة، خرجت الجماهير لتحاصره هناك وتحيط بكل القصور التى يتردد عليها. هذا فضلًا عن المجموعة التى قادتها الدكتورة كريمة الحفناوى لحصار منزله فى التجمع الخامس. فى حين راح الشراقوة يحاصرون منزله فى الزقازيق ومنزل أسرته فى قرية العدوة بمركز ههيا بمحافظة الشرقية. ومن ثم بات الرئيس مرسى محاصرًا فى أماكن خمسة رئيسية متوقع وجوده بها، هى قصر الاتحادية وقصر القبة والتجمع الخامس والحرس الجمهورى ومنزله بالزقازيق. لم يحدث فى تاريخ مصر، قديمها وحديثها، أن حاصر المصريون رئيسهم بهذا الشكل الكثيف والحاشد، وفى كل الأماكن التى يقيم بها كما فعلوا مع الرئيس مرسى. حتى مبارك الذى حاصرته الجماهير فى ثورة 25 يناير 2011، بدأ حصاره فى آخر يوم من حكمه يوم 11 فبراير، وعبر قصر الاتحادية فقط، فلم تذهب الجماهير وراءه لتحاصره فى قصره الخاص فى شرم الشيخ. الرئيس مرسى المحاصر بهذا الشكل الملفت للنظر، والذى عُزل فى فترة قياسية لم تتجاوز أربعة أيام فقط، من 30 يونيه إلى 3 يوليو 2013، حكم عليه أن يعيش فى عزله تامة عن الناس وعن أسرته. هذا الرئيس ربما يكون مظلومًا على المستوى الفردى والشخصى، غير أن إدارته للملفات السياسية والاقتصادية ضاعفت من عدد خصومه. بل إن تجربة حكمه التى أساء إدارتها بفعل آخرين، جعلت الجماهير تخرج عليه بعد سنة واحدة من حكمه، بضعف ما خرجت به ضد مبارك. غير أن هذا الرئيس المحاصر يبدو أشد خطورة من سابقه على مستقبل التفاعلات السياسية فى الفترة القادمة. حيث خرجت الألوف فى ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة أمام جامعة القاهرة، وعدد من المحافظات لتؤيده وتطالب بعودته للحكم. فضلًا عن وقوف عدد من دول العالم تعترض على إقالته، اعتقادًا بأن ما حدث إنما هو انقلاب عسكرى ضده. وجرى هذا ليس حبًا فى الرجل بل لزيادة للتنافر والشقاق داخل الساحة السياسية المصرية، وضمانًا لتحريك الأمور لصالحهم فى المستقبل. لقد كان حصار مؤسسات الدولة فى عصر مرسى دلالة هامة على انهيار دولته، غير أن قدم تاريخ المؤسسات المصرية وانقلابها عليه، ربما شارك بطريقة غير مباشرة فى حصار مرسى فيما بعد. حصار مرسى هو أغرب حصار جرى عبر التاريخ المصرى بصفة عامة وعبر تاريخ الزعامات الدينية والسياسية بصفة خاصة. فهل سيكون قميصه كقميص عثمان الذى سيستغل استغلالًا سياسيًا مبالغًا فيه فى الفترة المقبلة؟ أم سيخرج الرجل المحاصر على الناس ويطلب منهم الالتزام بالقوانيين والحكم القائم؟ أم أن الشعب سيصعد ضد الرجل، ويجعل منه مبارك آخر ينهى حياته بين القضبان والسجون والمعتقلات؟
د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة. Ahmedabdeldaim210@hotmail,com