(الطب والنبوة)، تحت هذا العنوان كتبت عدة مقالات العام الماضي شرحت فيها علاقة الطب بالنبوة، وخلصت إلى أن النبوة ليست مهنة بل هي رسالة، وهي ثابتة، على عكس الطب فهو مهنة متغيرة، وبالتالي لا يمكن أن تشرع بواسطة الأنبياء والرسل، وضربت مثل بقصة سيدنا أيوب ومرضه، وكيف أشار الله سبحانه وتعالى عليه بالعلاج، وأهمية أن يأخذ المريض بالأسباب للوصول إلى الشفاء. وضربنا أيضًا مثلاً بقصة سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام، وعرفنا أن من معجزاته الحسية إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله بقول (كن). وهي طريقة غير تجريبية في الشفاء. ونوهنا إلى أن سيدنا عيسى بن مريم أتى بطريقة غير تجريبية، فولد من أم دون أب، وذلك خارج نطاق التجريب. وفي سيرة خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلام والسلام، أحاديث كثيرة وردت فيها قضية العلاج والتداوي، وقد بوب لها في علم الحديث باب بعنوان (الطب) وقد أتى بعض من علماء المسلمين وأخذ هذه الأحاديث وأفردها في كتب منفصلة وأطلق عليها (الطب النبوي)، فأصبح هذا المصطلح يعني الأحاديث التي تذكر الطب والعلاج في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست تشريعًا لمهنة الطب. ومن بين الأحاديث المشهورة في ذلك أحاديث الحجامة وهي أحاديث صحيحة، فقد قال صلى الله عليه وسلم "الشفاء في ثلاث، شرطة محجم وشربة عسل والكي، وأنا لا أحب أن أكتوي"، وفي رواية أخرى "وأنهي أمتي عن الكي". وتعد الحجامة من أشهر الممارسات العلاجية التي لها علاقة بالنبوة، ويقبل عليها كثيرًا من المرضى، طلبًا لفائدتها في علاج أمراضهم. ونحن نعلم أن المريض صاحب حاجة وكل من له حاجة، وخصوصًا المرض يلح في طلب حاجته، وقد يقدم على طريقة للعلاج ليست هي الطريقة المثلى لعلاجه. وفي يوم الخميس 2 رمضان الماضي، وعبر برنامج (صوم وصحة) بإذاعة القرآن الكريم بإحدى دول الخليج الشقيقة سمعت أحد المشايخ الممارسين لعملية الحجامة ضيف الحلقة يتحدث عن الحجامة، وذكر أنها تستعمل لعلاج (مرض السل – ومرض الغدة الدرقية – ومرض دوالي الخصية – ومرض الصرع – ومرض التهاب الغشاء الرئوي الصديدي)، ومعذرة لكل طبيب يسمع هذا الكلام أو يقرأه، أن يحدث له شلل أو جلطة في الدماغ أو احتشاء في القلب. لأن مثل هذه الأمراض في غاية الخطورة وعلاجها معروف وعملية الحجامة لا تشفي هذه الأمراض على وجه الإطلاق، ومن يقول مثل هذا الكلام جاهل بالطب والأمراض. فكيف نسمع هذا الكلام من رجل دين محترم من المفروض أنه يتحرى الدقة والبينة في حديثه. ولأني أعلم هذا الرجل جيداً، وقد رافقته 3 سنوات من أجل هذه الممارسة وناقشته في الأمراض التي تستخدم لها، فقال لي يومًَا ما بالحرف يا دكتور (أنا حجام ولست طبيبًا)، فما كان مني إلا أن تقدمت بطلب لعمل بحث طبي للمؤسسة التي أعمل فيها. وقد أجريته في أعرق المستشفيات في الدولة الخليجية الشقيقة التي أعمل بها. وقد نشرته في إحدى المجلات الطبية المعروفة. وخلصت إلى أن الحجامة مفيدة في علاج ألم الظهر والرأس المزمن، والتي ليس له أسباب واضحة. وعامة فهي لا تعالج إلا الألم غير معلوم السبب فقط حتى الآن. وأشرت إلى ضرورة دخولها المؤسسات الصحية الرسمية ووضعها تحت البحث العلمي الطبي، وهذا لا يتعارض مع الأحاديث النبوية، لأن الحديث فيها جاء على وجه العموم، ولم يحدد لأي الأمراض تستخدم هذه الطريقة. وأذكر كل من يتحدث عن هذه الطريقة أو أي شيء في الحياة عامةً بقول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بما لا يعلم".. وللحديث بقية.