كنت على ثقة من أن السيد عمرو موسى الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية سوف يتراجع عن قراره السابق الذي أعلنه في نهاية العام الماضي بأنه لن يتقدم للترشيح لدورة ثالثة كأمين للجامعة. فالمنطلقات التي استند عليها عمرو موسى في رغبته في الانسحاب من المنصب والتي تتركز حول مقولة أنه لن يفعل أكثر مما فعل، هي نفسها المنطلقات التي قد تعيد روح التحدي داخل عمرو موسى وتدفعه إلى أن يكسر جدار وحاجز الضعف العربي القائم ويعيد للرأي العام العربي الأمل في المقاومة والقدرة على مواصلة الأحلام بأن الأمل مازال موجودًا وأن الجسد العربي المغيب عن الوعي والإدراك سوف تدب فيه الحياة من جديد. فالقيمة الحقيقية لشخصية عمرو موسى لا تتمثل في القدرة على الإنجاز وحل المشاكل لأن المشكلات العربية القائمة والأوضاع في المنطقة تحتاج إلى معجزات ومعجزات، ولكن قيمة عمرو موسى أنه مازال قادرًا على أن يذكر المواطن العربي العادي بأن هناك مقاتلاً يحاول أن يشحذ همم الآخرين للعودة إلى ساحة المعركة وعدم الفرار، وهذه القيمة هامة وأساسية وإلا لكنا قد أعلنا الاستسلام ورضينا بالهم والعار..! ولهذا نعبر عن سعادتنا بأن عمرو موسى أبدى تراجعًا عن موقفه الرافض للبقاء في منصبه بعد انتهاء ولايته الحالية في مايو عام 2011م. فعودة عمرو موسى عن قراره تنقذ الجامعة العربية من انقسام خطير قد يؤدي إلى انهيار محتمل، فهناك الدعوات التي تقودها الجزائر وقطر لتدوير منصب الأمين العام وهي الدعوات التي تعني خروج منصب الأمين العام من دولة المقر وهي مصر، وهي دعوات أخذت أيضًا شكلا من أشكال الضغط ومحاولة تشويه تاريخ وماضي عمرو موسى كما حاولت الجزائر أن تفعل عندما نشرت صحيفة النهار الجديد الجزائرية موضوعًا زعمت فيه تورط موسى عندما كان وزيرًا لخارجية مصر عام 1991م في التجسس على الجزائر لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو اتهام فيه من السذاجة والجهل وسوء النية أكثر مما فيه من معلومات لا تستحق التناول أو التعليق بقدر ما هي محاولة رخيصة لتشويه شخصية لها عمق الانتماء وصدق التوجه العربي ولها مواقفها الواضحة المعروفة في هذا الشأن. وبعيدًا عن محاولة التدوير فإن ابتعاد عمرو موسى عن الترشيح كان سيفتح الباب أمام العديد من الشخصيات المصرية التي أعلن عن بعضها بالفعل والتي لا تحظى في حقيقة الأمر بدعم محلي كامل، ولا تتمتع أيضًا بقبول عربي على نطاق واسع وليس لبعضها أيضًا تاريخ يذكر أو مواقف معروفة، وهو أمر كان سيمثل نقطة ضعف جديدة لجامعة الدول العربية وتراجعًا جديدًا في أدائها، وتراجعًا آخر في قدرات ومستويات الشخصيات والقيادات المصرية في المواقع القيادية العربية..! ولكننا مع عودة عمرو موسى إلى الساحة من جديد بالبقاء لفترة ثالثة، وبالابتعاد عن المواجهات والحساسيات التي ظهرت مؤخرًا في علاقة موسى بالخارجية المصرية بعد تصريحاته وأدائه حول السياسيات المصرية الداخلية فإن موسى الذي يحظى بدعم لا بأس به عربيًا والذي له علاقات شخصية وثيقة مع أغلب قادة الدول العربية مطالب هذه المرة بأن يبدأ من جديد تنفيذ أجندة إصلاح الجامعة والتي وعد بها في بداية دورته الأولى والتي لم يستطع خلال دورتين تنفيذ الكثير منها. وأول هذه الإصلاحات يتمثل في ضرورة إحداث ثورة إدارية داخل جهاز الجامعة الإداري المتضخم والتي أصبحت "مخزنًا" للكثير من الكوادر الدبلوماسية العربية والذين لا يؤدون شيئًا يذكر يقارن بما يحصلون عليه من مرتبات وامتيازات هائلة. كما أن موسى مطالب بالعمل على إحداث تغيير في آلية عمل الجامعة حتى يمكن فعلاً أن يكون في مقدورها اتخاذ قرارات فعالة في القضايا العربية بدلا عن كونها جهازًا إداريًا ضخمًا يتبع وزراء الخارجية العرب ويتلقى تعليماته وتوجيهاته منهم، وبدلاً من أن يعتبر كل وزير عربي للخارجية أن الأمين العام للجامعة العربية هو موظف لدى دولته.. إن عمرو موسى في الوقت الراهن أصبح شخصية أساسية على المسرح السياسي العربي، وابتعاده عن القيام بدوره لن يمنح الفرصة الآن لممثل آخر ناشئ بالتألق بقدر ما سيفقد الرواية مضمونها وجاذبيتها أيضًا في وقت فيه الجميع عازفون عن مشاهدة المسرح..! [email protected]