لا أدري لماذا أصابتنا البلاهة ، وصرنا من أصحاب الجلد السميك ، نري كل ما يحدث حولنا فلا يرق لنا قلب ولا تدمع لنا عين كأننا اعتدنا الكوارث ، بل وتآلفنا معها وأصبحنا اصحاب و حبايب ، كارثة تلو الأخرى نستقبل الكوارث بروح رياضية عالية جدا وابتسامات عريضة وكأنما نروج لمعجون أسنان ، كأننا فقدنا كل مراكز الإحساس والشعور، فقد تبلدت مشاعرنا ، واختزلنا ردود أفعالنا في مصمصة الشفاه ، فلم نعد نحزن أو نفرح وإنما صرنا في حالة من اللامعنى ، حياتنا متواصلة نعم ، نأكل ونشرب ونتثاءب من حلاوة الكسل ، نحيا لكن بلا روح بلا هدف واحد يجمعنا ، فقدنا كل الأهداف فلا حرب ولا ضرب ولا سد عالي ولا بناء ولا تعمير ولا إنتاج ، ولماذا ننتج ؟ ألا يكفي أننا نستهلك وربنا يخلي الصين ، "وعاشت الصين حرة مستقلة " ، تكررت الحوادث في بلادنا الحادثة وراء الأخرى من غرق العبارة و حتى تفجيرات دهب وسيناء وأحداث الإسكندرية ، مروراً بكوارث أنفلونزا الطيور و الحمى القلاعية وغير ذلك ، كل ذلك ونحن نبتسم ونواصل الحياة وكأن شيئاً لم يكن وبلاهة الأطفال في أعيننا ، فهذا هو ما يؤكد أن كوارثنا في أنفسنا قبل أن تكون فيما حولنا ، فما الذي حول هذا الشعب الثائر إلي شعب خامل محبط مطحون ؟ ، فاقد لقيمة كل شئ ، يسير في حالة من التنويم المغناطيسي ، الشباب محاصر بالبطالة وقنوات الأغاني وأحدث الرنات و الموبايلات ، والتسكع علي النواصي ، والفتيات يجرين وراء الأوهام والأحلام التي تروجها برامج خلت من كل قيمة أو مضمون ، برامج الموضة والرشاقة والرجيم و "عاوزة تبقي زي النجوم اشتركي في المسابقة الفلانية ، وعشان تبقي أحلي كلميني و أنا ح أرد عليك ، الكل في حالة عامة هي الضياع ، وضاع منا كل شئ والتفتنا خلفنا نبحث عن هاد فلم نجد حولنا إلا التفاهة تعمم كل شئ في حياتنا ، الواقع أننا وصلنا إلي حالة من التردي النفسي والاجتماعي لم نصل إليها في أحلك الظروف ، حالة من الانهزامية والتقهقر إلي الوراء والتقوقع علي الذات التي أصابتنا دون وعي منا ، وأصبحنا رغم أنفنا نعيش زمن الهيافة كل ما حولنا ينطق بالهيافة ويعج بالبلاهة ، في التعليم والثقافة والسخافة والموسيقي والأغاني والأفلام والأحلام ، كله يصب في قنوات الهيافة وحالة الصمت المريب المميت رغم الاحتقان ، وحالة البرود والملل رغم الفوران وكان آخر تقرير للتنمية الشاملة قد أكد سوء الأوضاع الاجتماعية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية أوضح التقرير أن معدلات الفقر والبطالة والإقبال علي الانتحار وارتكاب الجريمة آخذة في التصاعد فقد ارتفعت معدلات البطالة من 8،1% عام 99 إلي 9% عام 2000 ثم إلي 9،9% عام 2003 لتمثل عشر القوة العاملة في مصر. وذكر التقرير أن أرقام البطالة الرسمية أو المعلنة للأسف أقل من معدلاتها الحقيقية نظراً لاعتمادها علي المسجلين في مكاتب العمل، ويكفينا فخراً أن نقوم بعمل دورات تدريبية للموظفين نعلمهم فيها كيفية الابتسام ، ويكفينا فخراً ان نجلس أمام التليفزيون نتابع إعلانات التسوق واتصل حالا نصلك لحد البيت ، ونتابع قنوات الأغاني و جحافل المطربين وكلماتهم السمجة السخيفة المليئة بالإسفاف والهيافة و اديني ف الهايف [email protected]