لا زالت أصداء الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين للبحرين الأسبوع الماضي تتردد على أكثر من صعيد. فقد فتحت الآفاق أمام ملفات كانت مغلقة أومعلقة بين البلدين. وكان الحديث عن تلك القضايا يجري بشيئ من التردد على اعتبار أن الوقت ليس مناسباً للطرح والبوح والمناقشة. لكن طابع الحدث وطبيعة المرحلة صبغا البلاد باللون الأخضر، وأنعشا الآمال بكل لون. ولعل أبرز القضايا التي طفحت على سطح الوسط الإعلامي والسياسي قضيتان، هما: الوحدة الكونفدرالية ومشروع سكة الحديد. في هذا السياق، يجدر التأكيد على مشتركات تميز علاقة البحرين بالسعودية، إن على المستوى الرسمي أو على الصعيد الشعبي.إذ يتحدث أفراد العائلة المالكة من كبار السن عن قيام الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود بإيواء بعضاُ من أفراد أسرته في البحرين أثناء مسيرته المظفرة لفتح الرياض. ولذا ما زال الحكم السعودي يحفظ هذا الصنيع لحكام البحرين. تاريخياً، شهدت مثل هذه الزيارات بين حكام البلدين استمراراً متوالياً جيلاً بعد جيل. وعلى المستوى الرسمي شهدت العلاقات تطابقأ إلى حد التماثل في المواقف السياسية. استراتيجياً، تمثل السعودية عمقاً أمنياً وسنداً روحياً لاستقرار البحرين ضد التحديات الأمنية الداخلية والتهديدات الإقليمية الخارجية. ومثل هذه العلاقة الوطيدة، وبحكم التاريخ والموقع الجغرافي، ربما لا تتوفر بين أي من دول مجلس التعاون الخليجي الذي تشترك في عضويته الدولتان. في زيارة العاهل السعودي للبحرين، كأول زيارة رسمية بعد تتويجه ملكاً، تم تأكيد هذه المعاني. التبرع السعودي السخي (مليار ريال) لإنشاء مدينة طبية متكاملة كان عنوان الزيارة الأبرز. إعادة السيف "الأجرب" من العهدة البحرينية إلى اليد السعودية بعد 140 عاماً،ومن يد ملك البحرين إلى يد ملك السعودية له دلالة عميقة الأثر في تأكيد العلاقة الثنائية الخاصة. على الصعيد البحريني الشعبي، ترجمت أهمية الزيارة بحرينياً بحجم لافت من الاهتمام الإعلامي المكثف بالزيارة. وبالاحتفالات الشعبية وبرفع أعلام المملكتين في أبرز الشوارع مزدانة بصور عاهلي البلدين. غني عن التذكير أيضاً حجم التجارة بين البلدين وعبر جسر الملك فهد الذي يربط جزيرة البحرين بجزيرة العرب. 17 ألف سيارة يوميا تعبر الجسر وأكثر من مليون شاحنة سنوياً. 3500 طالب سعودي يدرسون في البحرين، ومثل هذا العدد وربما أكثر من الطلاب البحرينيين في الجامعات السعودية. قبائل وعشائر كثيرة نصفها في البحرين ونصفها الآخر في السعودية. ناهيك عن تبادل الأدوار السياحية. ففي عطلة نهاية الأسبوع يجد السعوديون في البحرين ملاذاً سياحياً كبيرا لعائلاتهم ( وفرصة لنسائهم للسياقة في شوارع البحرين). كما يجد البحرينيون فرصة للتسوق من مجمعات الخبر والدمام مستفيدين من فارق الأسعار. الدينار البحريني مقبول دون صرف في أسواق المنطقة الشرقية أو بعضها. في حين يُتداول الريال السعودي بكل ترحاب في أسواق البحرين. كل هذه الأرضية المشتركة (بين الأسرتين المالكتين وبين الشعبين الشقيقين) دفعت بسقف التوقعات عالياً لدى شعب البحرين وجملة من مثقفيه لإعادة إحياء حلم الوحدة الكونفدرالية بين المملكتين. وكذا حلم الربط الحديدي بين دول الإقليم. وهذا حلم كان يراود أبناء المنطقة مع انطلاقة مجلس التعاون قبل ثلاثين سنة. ماذا يضير لو تم البدء بها بين دولتين تمهيداً لاستكماله بين الدول الست في السنوات القادمة؟ وأعتقد أن أفضل تجربة ممكن أن تؤهل لقيام هذا المشروع الكبير هو البدء به بين السعودية والبحرين. تماماً كما بدأ الاتحاد الأوروبي بين فرنسا وألمانيا وأصبح يضم الآن يضم 25 دولة. • أكاديمي بحريني