كنت قد كتبت مقالاً فى السابق بعنوان أبوالفتوح-صباحى –على رايح جاى وتعبيرا عن التخبط الذى يعترى الشباب المصرى عند محاولة دخوله المعترك السياسى بعد فترة طويلة من الحرمان هذا التخبط الذى ينشأ عادة مصاحباً للنظرة المثالية التى يكون عليها الشباب عادة فهو يرى الأمور بين لونين فقط إما أبيض أو أسود و بالتالى يرى يصنف قيادات العمل السياسى بين طائفتين إما متوافق معه أو معادى له فسرعان ما تتغير نظرته و تقييمه لشخص بعد تصريح أو موقف معين فينقلب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار و ينقلب من مؤيد بشدة إلى معارض و بشدة أيضا و لا يعيبه فى هذه الفورة المتوهجة دائما لدى الشباب إلا أنه أسلم عقله لمن يملأه من الإعلاميين (و كلهم معلوم دوافعه) قبل أن يكون رأيا يبنى عليه موقفه منافيا بذلك أبسط قواعد المنطق فى تصديق الأكاذيب التى يروجها الإعلام الواحدة تلو الأخرى مادام تطعن فى مخالفيه. لكن اللوم الأكبر يقع على من تصدوا لقيادة العمل السياسى و بدلا من أن يكون رؤوس حكمة يلجأ إليها هذه القلوب المحبة لبلدها و القوة الفتية التى يمكن بقليل من التوجيه أن تكون معاول بناء لوطن طالت كبوته لكنهم بدلا من ذلك أنطلقوا يتحسسون أين يريد أن يراهم الشباب فيتدافعون لإتخاذ مواقف أكثر تطرفا من الشباب نفسه و ليس أدل على هذا أكثر من موقف الدكتور أبوالفتوح الذى صار و بلا منازع الناقد الأول للإخوان و هو بذلك ينقد ذاته فلا أحد يصدق أنه أفاق فجأة بعد أربعين عاما قضاها داخلها منها (أكثر من عقد كأحد قياداتها و المشكليين لإستراتيجياتها) حتى و إن سلم أحد بذلك فهو يطعن فى حصافته و حكمه على الأمور مما يطرح السؤال ماذا لو كان مخطئا مرة أخرى و متى يكتشف خطأه خصوصا مع مواقفه الباهتة التى يحس المرء أنه أُستدرِج إليها بغيرفطنة (كالمؤتمر الذى كان ليلة المرحلة الثانية من الإنتخابات الرئاسية و إعلان المجلس الرئاسى من أحد المرشحين الخاسرين فى حضوره ثم إضطراره للتنصل من ذلك بعدها و كذلك المشاركة فى المظاهرات التى كانت تنتوى الزحف إلى الإتحادية و إنصرافه المفاجئ منها بعد فقدناه السيطرة علي الهتافات). مثل هذه الأمور إنتهت بالمعارضة على الصورة الهزلية التى تصاعد عنفها دون حكيم يقومها و قيادة تروضها لتؤتى ثماراً ينعم بها الوطن كله (من وجود معارضة بناءة و تكون عونا لمن بالحكم إذا أحسن و تُقومّه إن أخطأ) حتى إنتهت إلى تلك الرقصة العبثية أمام المقر الإخوان بالمقطم فلم تكسب المعارضة من ذلك إلا إزدياد لفظها من العامة. لم يقتصر الأمر على أن تلهث القيادات خلف الشباب لإرضائهم بإتخاذ مواقف أكثر تطرفا بل كانت حساباتهم كلها مليئة بالأخطاء بل الخطايا و أقول ليس على سبيل الحصر هذه النقاط: 1. مما لا شك فيه أن الغرب و أمريكا يتقبل وجود الإسلاميين فى الحكم فى أى بلد عربى (و مصر خاصة) على مضض. و كان فى البداية حدسا و صار أقرب لليقين أن الغرب تنبأ بإحتمال إنهيار النظام الذى شاخ و علا الغليان فى صدور المصريين خصوصا مع الظلم الإجتماعى و إصرارالنظام على التوريث فأعد العدة لذلك بالتمهيد لشخصيات ليبرالية لإعتلاء سدة الحكم فى ثورة برتقالية مثلما حدث فى جورجيا و كازاخستان فتتبدل الإشخاص وقد يتبعها بعض الإنفراج على صعيد الحريات لكن تبقى السياسة الخارجية كما هى. لكن تغير الرؤية مع تبدل الواقع و الخوف من الفوضى التى تعقب التغيير الشامل أوجد الركون إلى فصيل قوى هم ما جعلهم يقبلون بالإخوان فى مصر و كالعادة تعاملوا مع الأمر بواقعية شديدة بل أصبح الواقع الجديد هو الأقرب لمصالحهم فحماس صارت أحرص على الإستقرار حتى لا تفشل القيادة الجديدة فى مصر و قبلت بالسيطرة على الحدود و تدمير الأنفاق كما أصبح الأخوان فى مصر (كما الحال فى تونس) مسئولون عن السيطرة على التيارات الإشد تطرفا بين الإسلاميين و هو ما حد من تحرك الطرف الأخير محاولة منه لإنجاح تجربة محسوبة عليهم جميعا. مازالت بعض القيادات السياسية يعمد إلى مخاطبة الغرب (بدلا من التوجه للشعب المصرى) طمعا فى أسترجاع مكانته ولكن يخطئ كل من يظن أن نجم مرسى آخذ فى الأفول لدى الغرب فسيشتد الإحتياج إليه قريبا (و من ثم يختفى أى دعم منظور على الأقل للمعارضة فى مصر) بسبب خوْف الغرب من بروز التيار الجهادى فى سوريا و إعترافهم بأن تركهم للأمور سارع من تغلغل و تسلل أفراد يتبعون (إما فعليا أو فكريا) القاعدة و سيكون البديل المطروح هو التعويل على النظام المصرى لقيام نظام شبيه فى سوريا عندسقوط بشار بدلا من تكرار تجربة أفغانستان. 2. مرة أخرى يخطأ كل من يعتمد الهجوم على الإخوان كوسيلة لتحقيق تقدم على الساحة السياسية فلن يثمر ذلك سوى تمهيد الطريق لحصان أسود جديد فى سباق الإنتخابات كان التعويل على الدكتور أبوالفتوح أن يكون هو لكن الظواهر تشير أنه سيكون أبوإسماعيل فالفوضى الحادثة فى الشارع و الترويج الدائم من المعارضة أن الرئيس غير مسيطر جعل الناس تواقة إلى المستبد العادل و الذى لن يكون من التيارات اليسارية أو الليبرالية التى لا يأمنها الناس. و ستسرف الإنتخابات القادمة عن كثير من المفاجئات. 3. الخطأ الأكبر للمعارضة كان و مازال هو تترسها خلف شعار المدنية مقابل الدينية (رغم التدين الفطرى للمصريين) و غرهم نجاح مع مجموعات محدودة من الشباب الرافض لكل شئ و ظنوا أنهم هم السواد الأكبر من الشعب و تتطلب هذا ميوعة فى المواقف فترى الدكتور البرادعى وهو الليبرالى الأقرب للتفكير بإقتصاديات السوق المفتوح أسلم حزبه الجديد لليساريين (جورج إسحاق وحسام عيسى) طالما أنهم مشتركون فى العداء للإسلاميين ثم كان التقارب العبثى مع حزب النور ليصبح السياسيون جميعا عديمو الطعم واللون و الرائحة بعد أن أصبحوا عديموا الفائدة الخطأ الأخير للمعارضة هو إستدعائها للجيش للمشهد مرة أخرى و كأننا فى مسار دائرى مبارك الجيش مرسى و العودة و تكون المحطة القادمة هى مبارك.