نعى قضاة مصر، شيخ القضاة المستشار يحيى الرفاعي الذي وافته المنية أول أمس بعد رحلة عطاء في سلك القضاء ومجال الدفاع عن الحريات استمرت لأكثر من 70 عامًا، واصفين إياه بأنه يمثل قيمة وقامة عالية جدا وعلامة من علامات القضاء المصري الشامخ، وتمثل وفاته خسارة فادحة لعموم القضاة. واستنكر القضاة وأغلبهم من رموز "تيار الاستقلال" عدم تعامل نادي القضاة حتى الآن مع هذا الحدث بشكل يليق بالرفاعي الذي كان رئيسًا للمجلس في فترة الثمانينات، والاكتفاء فقط بنشر نعي بجريدة "الأهرام" دون الإعلان حتى الآن عن عقد اجتماع لتأبينه، بينما أعلنت نقابة الصحفيين ذلك. واعتبر المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة السابق الرفاعي بأنه يعد بمثابة أبيه وأستاذه واصفا إياه بأنه كان ذا قيمة وقامة عالية فضلا عن كونه رائد استقلال القضاء حيث كان من أول من طالب بهذا الاستقلال ودفع ثمن ذلك من خلال فصله والتآمر عليه. وأثنى على مواقف الرفاعي في حياته، وعلى رأسها الدفاع عن حقوق زملائه القضاة، حيث كان من أول من تبنى مشروع الرعاية الصحية للقضاة واقترح استقطاع مبلغ من قيمة أي دعوى قضائية لدعم الصندوق الذي لعب دورا مؤثرا في حياة القضاة وقدم خدمات اجتماعية وصحية لهم. وذكّر بموقفه خلال مؤتمر العدالة الأول عام 1986 بدعوة الرئيس حسني مبارك لإلغاء حالة الطوارئ، وهو ما جرت عليه "مؤامرات" لإبعاده عن رئاسة النادي، شارك فيها المستشار مقبل شاكر رئيس مجلس القضاء الأعلى وبهي الدين عبد الله حيث تمت مكافأة الأخير بتعيينه محافظا لدمياط ولمدة عام وتم إقالته بعدها. وقال إن "تيار الاستقلال" يدرس حاليا عدة مقترحات لتكريم الرفاعي، لافتا إلى أنه وأثناء رئاسته للنادي أصدر عددا من مجلة القضاة خصصه للحديث عن تاريخه القضائي، إلا أنه رجح ألا يتعامل مجلس إدارة النادي الحالي بما يليق مع مكانة الرجل، وإن طالب الانتظار إلى حين تتضح الأمور بشكل كاف. من جانبه، قال المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض إن العبارات لن تستطيع أن توفي المستشار يحيى الرفاعي حقه، فهو رجل لم يكن يخشى في الحق لومة لائم وكان همه في المقام الأول إعلاء كلمة الحق وحماية حقوق المواطن. ووصف تاريخه بأنه مرصع بالذهب على مدار السنوات الطويلة التي أمضاها في سلك القضاء، بدءًا منذ أيام الملكية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حيث طالب بالديمقراطية بعد نكسة يونيو 1967، وتم فصله في مذبحة القضاة عام 1969 وفي عهد الرئيس أنور السادات اعترض على قانون المدعي العام الاشتراكي. أما موقفه الأبرز- كما يقول- فكان إبان انعقاد مؤتمر العدالة الأول عام 1986م حيث طالب وبحضور رئيس الجمهورية بإلغاء حالة الطوارئ ولم يخش في الحق لومة لائم، رغم أن هذا الموقف دفع ثمنه بالتآمر عليه وإقالته من رئاسة ناد القضاة، إلا أن هذا الأمر لم يجعله يتراجع عن قناعاته أبدًا وظل وفيًا لها. واعتبر مكي أن تعاطي نادي القضاة مع وفاة الرفاعي لم يكن بالمستوى المأمول حتى الآن، معبرا عن خشيته من وجود دوافع سياسية وراء هذا الموقف، باعتبار أن الرفاعي كان من أبرز رموز الاستقلال، وإن شدد على ضرورة التمهل قبل تقييم سبل تعامل النادي مع هذا الحدث. من جهته، اعتبر المستشار خالد قراعة وكيل نادي القضاة أن المستشار الرفاعي يعد قائد ورائد المدرسة الرفاعية التي تزعمت استقلال القضاء، وعدم إخضاعه لهيمنة السلطة التنفيذية، ورأى أن مطالبته بإلغاء حالة الطوارئ بحضور الرئيس مبارك تعد وسامًا على صدر جميع القضاة. وطالب بالتكريم المناسب لشيخ القضاة من قبل نادي القضاة، قائلاً إن نشر نعي للفقيد العظيم لا يكفي، مقترحًا إعادة نشر كتبه ومؤلفاته، وتنظيم فعاليات عديدة حول فكره وحفلات تأبين تليق بالرجل الذي أفنى حياته خدمة للقضاة والدفاع عن الحريات. وأوضح أن "تيار الاستقلال" يدرس تكريم الرفاعي رغم أن نجله المستشار أيمن الرفاعي نائب رئيس محكمة النقض تحفظ تنظيم فعاليات عدة لتكريم الراحل الكريم، مشيرا إلى أن الرفاعي سيبقى في قلوب محبيه من القضاة والمواطنين وهو ما اعتبره أبرز تكريم له.