هناك فى قرغيزيا ، تحرك الشعب فسقطت الحكومة وهرب الرئيس بطائرته إلى جهة مجهولة خوفا من بطش الناس وفتكهم وثأرهم ، لم يتحمل الناس خمس سنوات فقط من فساد " كرمان بك باكييف " وعصابته وإتحاد المنتفعين من بقائه فى السلطة ، لم تستغرق الإنتفاضة الشعبية إلا يوما وبعض يوم حتى أعلنت زعيمة المعارضة " روزا أوتونبايفا" أن السلطة فى كل مكان قد عادت إلى الشعب وأن مصير الشعب القرغيزى أصبح فى أيدينا ، -- قبل هذه النهاية السعيدة والمبهجة للشعب القرغيزى وكل محبى الحرية وكارهى الإستبداد من بنى الإنسان كانت البداية ، تحرر الناس من منظومة القهر والخوف الذى زرعته فى النفوس أجهزة أمن جبارة تغذيها وتدعمها كتائب الإعلام المأجورة ، ويحميها ويمهد الطريق أمامها برلمان متواطىء بأغلبية مزيفة ورابعهم المؤسسة الدينية الرسمية التى تعمل على تسويق الذل والقهر ولا تعرف عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم سوى طاعة ولى الأمر ،المنظومة الفاسدة كلها تعمل من أجل غاية سافلة وهدف قبيح هو حماية النظام الحاكم وقهر وسجن وتعذيب وتخويف وتضليل الشعب الذى يعانى الجوع والبطالة وغياب العدالة الإجتماعية و يجأر يوميا بالشكوى إضرابا وإعتصاما وإحتجاجا على عدم قدرته على الوفاء بضروريات الحياة بسبب ضعف وهزال الأجور فى ظل حكم كرمان ، لم يضع الناس أيديهم على خدودهم جبنا ، أو يمصمصوا شفاههم عجزا ، أو يهزوا رؤوسهم حزنا وأسفا ، أو يتحسروا وهم متكئون على أرائكهم وهم يرون النساء المعارضات يتعرضن لبطش وجبروت الذراع الأمنية الثقيلة ، المعلومات التى كانت تصل الناس عن فساد الرئيس وعصابته مما يشيب لهوله الولدان كانت تملأهم يأسا وإحباطا وغيظا من جهة وإصرارا وأملا فى التغيير والإصلاح من جهة أخرى ، أحس الناس فى " قرغيزيا " وهم يقرأون مابين السطور والمسكوت عنه فيما يقرأونه و يرونه ويسمعونه كل يوم فى برامج المساء التى تبث من التلفزيون أن نظام " باكييف " يجب ألا يبقى ، فلا أمل فى أى إصلاح أو تغيير طالما ظل هو وعصابته قابضا على السلطة ، وهو الذى لم يفلح طوال مدة حكمه فى شىء سوى إحتفاظه بالكرسى وإمتصاص خيرات البلاد لصالح أسرته وبطانته و اتحاد المنتفعين من بقائه وأذنابهم ، الذين يدعون له بطول العمر والبقاء فهو فرصة ذهبية لن تتكرر بالنسبة لهم ، وهو صمام الأمن والأمان الذى أتاح لهم فرصا فى الثراء والتملك لا يستحقونها و لم يكونوا يحلموا بها ولم يبذلوا جهدا كبيرا للوصول إليها ، أدركت قوى المعارضة أن التغيير وإزاحة النظام الغاشم الذى أفسد البر والبحر لن يتم إلا بوحدة الصف وترك الخلافات ، فالوقت لا يحتمل ترف الإختلاف الأيدلوجى أو العداوات التاريخية ، وكانت كلمة السر فى التحرك هى " الشعب " فأى حركة معارضة لا تستطيع إقناعه بالخروج من سلبيته وإيقاظه من سباته ودفعه إلى المشاركة فى تقرير مصيره وجعله درعا واقيا للتغيير والإصلاح تبقى حركة هزيلة لا قيمة لها ويسهل ضربها ولن يكتب لها النجاح فى مسعاها ومبتغاها ، إجتمعوا جميعا حول زعماء المعارضة " عمر بك تيكيبايف و " روزا أوتونبايفا " والأخيرة إمرأة لم يجد المعارضون حرجا فى الإنضواء تحت لوائها والعمل تحت قيادتها والتسليم بزعامتها ، الطريف أن الرئيس المذعور قال من مخبأه أنه سيعود وأن الذين قادوا حركة التغيير الشعبية سوف يقعون تحت طائلة القانون و من المؤكد أنه يقصد قانونه هو الذى داسه تحت الأقدام وكان أول الذين ضربوا به عرض الحائط عندما خالف هواه ومصالحه ، درس قرغيزيا رسالة إلى الشعوب الحية والطغاة فى آن واحد ، أن الشعوب المقهورة لابد أن تتحرك لنيل حقها فى الحياة الكريمة وإن لم تفعل فلا تلومن أحدا غيرها ، ورسالة الطغاة أن إتقوا غضبة الشعوب إذا غضبت ولا يغرنكم ما يحيط بكم من مظاهر القوة فهى عندما تواجه الغضب الشعبى لا تساوى شيئا مذكورا