يقع النظام السياسي في أسوأ غلطاته عندما يترك الأمن يتعامل مع الرأي الآخر. لم يفعل الأمن شيئا حسنا لأي نظام في العالم، فقد سقطت ديكتاتوريات عظمى بفعل التعامل الأمني الذي دق المسمار الأخير في نعوشها بوحشيته وغلظته. أمس تحول وسط القاهرة إلى ميدان للسحل لم يخف خبره عن وسائل الاعلام العالمية لتطيره للكرة الأرضية. كيف يخشى نظام يسيطر على الحكم منذ نحو ثلاثة عقود من مائتي متظاهر لم يفعلوا شيئا سوى رفع لافتات التغيير والاصلاح. من العادة أن يهتف المتظاهرون ضد الحكام، فما هي الجريرة التي تسحل بسببها فتاة على الأرض في انتهاك صارخ لآدميتها.. هل لأنها رددت مع زملائها "يسقط حسني مبارك"؟! من الطبيعي أن يتظاهر الناس ضد من يشعرون أنه "طاغية". ليس مطلوبا أن يحنوا ظهورهم ليكربجها جلادوه! أدري أن الرئيس لا يرى شيئا، فهو في منتجعه المفضل شرم الشيخ، لكن ما حدث بالأمس يسيئ له ويشوه صورته أضعاف أضعاف ترك المعارضين على حريتهم يتكلمون ويتنفسون ويتألمون من قسوة الحياة في ظل نظامه. هل هو في حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى ناصح أمين يقول له الحقيقة، فربما لا يعلم أن شعبه جائع مخنوق دامع باك، يعيش مع الأموات، ويأكل من جيفة "الفساد" الذي ملأ البر والبحر؟! كانت الصورة السيئة عن مصر التي تداولتها أمس وسائل الاعلام العالمية هي تلك التي تظهر الجنود القساة يحيطون بالمتظاهرين "المصريين" وضع مائة خط تحت المصريين، فيمكن أن تتصور أن هؤلاء الجنود يتعقبون الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة، ضمن اللقطات المعتادة التي تنقلها لنا الفضائيات فننعل بسببها سنسفيل الصهاينة! كل هذا لأن شبابا جريئا أرادوا دخول البرلمان ليسلموا فتحي سرور عريضة بمطالبهم الاصلاحية. ليته استقبلهم وقال لهم قولة الخديوي توفيق الشهيرة لعرابي "كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وما انتم إلا عبيد احساناتنا". والله لو قالها لكان أفضل مليون مرة لوجه نظامه وسمعته. أيمن نور يخنقه رجل أمن من رقبته كأنه يريد "أن يطلع روحه". هذه اللقطة تعيد نور إلى الواجهة وهي يعلن خوضه الانتخابات الرئاسية وبرنامجه الانتخابي. لو توفرت حرية ونزاهة وتم قبول ترشيحه لكفته يد الضابط الذي كان يرتدي "بدلة" عن أي حملات سيقوم بها لكسب أصوات الناخبين. فتاة تسقط مغشيا عليها، وفتاتان تبكيان. ربما من قسوة الضرب فقد انتشرت "رجالات أمن".. يعني ضابطات وجنديات.. ضخمات الجثث.. قمن بسحل المتظاهرات. تقول هدى عبدالمجيد مديرة في البنك المركزي لوكالة رويترز ": ضابطة شرطة ضخمة الجثة سحبت يدي بشدة. كادت تسقطني على الأرض على وجهي وسحبت حقيبة يدي محاولة أخذها! لا أدري متي وكيف تم تجهيز هؤلاء "الرجالات" فمن الصعب تصنيف متوحشات الأمن ضمن النساء!