سافرت إلي بيروت لمناقشة كتابي عن الدين والدولة في تركيا .. صراع الإسلام والعلمانية في قناة العالم الفضائية ، والتقيت بعض المثقفين هناك ودارت حوارات ثقافية متعددة حول الوضع في مصر وحول وضع الإسلاميين وكانت مسألة تطوير الحركة الإسلامية لخطابها والاجتهاد في طرح إجابات علي الأسئلة الراهنة المطروحة علي الساحة من قطاعات الشباب والفتيات والمرأة والعلمانيين والأقباط والعمال وغيرهم من الفئات أحد الموضوعات الرئيسية . ولست أخفي أنني حاولت في كتابي عن الحركة الإسلامية من المواجهة إلي المراجعة البحث عن إجابات واجتهادات جديدة حول التمييز بين الثابت والمتغير في الشريعة ، وبين مناطق الاجتهاد السياسي والفقهي ، وبين ضرورة مشاركة الإسلاميين في الجدال الدائر حول مستقبل بلادهم بما في ذلك العملية الانتخابية . بيد إن تلك المحاولات كانت إجابة للحركة وأبنائها ، أما اليوم فهناك أسئلة مجتمع ودولة وعالم واسع أكبر بكثير عن الحركة الإسلامية وجماعاتها ورؤاها والتي هي في الغالب تنطق من منطلقات واحدة وأرضية واحدة يغلب عليها التقارب في الفهم المشترك ،ولكن اليوم علينا أن نجيب نحن الإسلاميين علي أسئلة الشارع والناس و العالم وأن تكون لدينا إجابات واضحة عن ذلك ومن أهم الأسئلة التي يجب علينا أن نجيب عليها ماهو موقف الإسلاميين في مصر اليوم من التغيير ؟ مسألة الحرية وعالمها ، وتلك قضية في منتهي الخطورة فنحن في عالم تنفتح فيه الفضاءات وتتواصل الشبكات الاجتماعية وتغيب أدوات الرقابة ويتحول الفرد الإنسان إلي وحدة في ذاته يمكنها أن تفعل وتتحرك وتعمل ، وهنا كيف ننظر نحن الإسلاميين إلي الحرية ؟ مسألة التعددية واختلاف الشعوب والناس والبشر وتعايشهم معا وفق قواعد تنظمهم ، كيف ينظر الإسلاميون إلي الآخر غير المسلم في بلدهم ، وكيف ينظر الإسلاميون إلي المختلف معهم في المسألة السياسية والاجتماعية ؟ العالم يتجه اليوم إلي أفكار جديدة وتوجهه قوي غير إسلامية تنتمي للحضارة الغالبة ، وهذه الحضارة الغالبة الغربية والحضارة الغالبة الهندية والصينية ، كيف نبني علاقتنا معها علي المواجهة والصراع أم علي التعاون أم علي المزاوجة بين الصراع والتعاون وكيف نتصرف تجاه آحاد الناس في تلك الحضارات ؟ كيف نتعامل مع المستأمنين الذين يقدمون إلينا ؟ كيف نجيب عن أسئلة الدولة المدنية التي يطرحها علينا العلمانيون هل نقبل بالمصطلح أم نرفضه ، وإذا قبلناه فماذا يعني مدني وقد استخدم بعض علماء المسلمين كلمة مدني بمعني المعيشة مع الآخرين وتنظيم العلاقة معهم فعلماء المسلمين قالوا الإنسان مدني بطبعه أي لا يمكنه العيش وحده . وما هو موقفنا من الدستور المكتوب وتنظيم السلطات فيه وتوزيعها وما هو موقفنا من مقولة أن الشعب مصدر السلطات وهل نقبل بالتمييز بين ما درسه لنا أستاذنا حامد ربيع بين السلطة المؤسسة ( بكسر السين ) والسلطة المؤسسة ( بفتح السين ) ، ومن ثم فإن السلطة المؤسسة هي التي تضع القيم والقواعد الكلية العامة بينما السلطة المؤسسة ( بفتح السين ) هي التي تحول تلك القواعد والقيم إلي واقع سواء أكان الإنسان ذاته في تفاعله مع الأحكام والتكاليف والواجبات والمندوبات والمكروهات والمحرمات ، أو كانت الدولة أو كانت المؤسسات الوسيطة أو الجماعات الأهلية ، وهنا فإن التطبيق الإنساني يعد هنا فعلا اجتهاديا لا يحمل أي قداسة ويمكن أن يكون محلا للنقد بل يمكن أن يكون محلا لطرح بدائل مختلفة عنه من منطلقات أخري . من هم العلماء المجتهدين أحد الأسئلة المهمة التي نواجهها هل هم علماء الدين والشريعة فقط أم العلماء في مختلف التخصصات ومن ثم يمكن للمتخصصين في مجالات النظم والإدارة والحكم أن يطرحوا اجتهاداتهم لتطوير النظم السياسية في البلدان العربية . هل نحن مع التوريث أم نرفضه ، والإسلام بطبيعته يرفض الكسروية والقيصرية ويرفض التوريث والملك العضوض وهو مع اختيار الأمة ، ومع الشوري ومع كسر احتكار السلطة . هل نحن حركات اجتماعية تعمل في مواجهة دولها أم أننا جزء من الدولة ومواطنين فيها ومن ثم لا بد لنا من أن ننافس ونزاحم بشكل سلمي ليكون لنا مكانا تحت الشمس في وقت لن يكون للضعفاء ولا المتخاذلين ولا الخائفين موضعا في هذا العالم المفتوح . هل فكرة مواجهة الآخرين بالخروج عن الخط الفكري أو العقدي أو الاتهام بالخيانة أو غيرها من الإكليشهات الثابتة لدي العاملين في الحركات السياسية ومنها الإسلامية لا تزال تحمل وجاهة أو منطقا في ظل عالم يموج بالأفكار والتوجهات وفي ظل عالم انهارت فيه الأيديولوجيات الكبري وبقي الإنسان هو المعيار الإنسان المعاصر حصل علي قدر من الرفاهية والحرية لم يتعود عليه في كل تاريخه وحين تأتي النظم السياسية لتحاول أن تسحب منه ذلك القدر من الحرية والرفاهية فإنه سيتمرد عليها وهنا لا بد لنا من التفكير حول التعامل مع الإنسان المعاصر وإنشاء اجتهاد جديد بشأن حاجاته وتوجهاته وأفكاره . وفي نفس الوقت فإن الرفاهية والحرية فرضت علي الإنسان المسئولية ومن هنا نري من يخرجون للإعلان والنضال من أجل أفكارهم ، نحن في عالم جديد غيرته العولمة وغيرته ثورة المعلومات وغيرته السموات المفتوحة ونحن بحاجة إلي أجوبة جديدة لمواجهة تلك المتغيرات ، ليس لدي أجوبة ولكنه إثارة للتفكير والاهتمام .