لم تنجح المفخخات والسيارات الملغومة والأحزمة الناسفة بالعراق في إثناء أهلها خاصة الرجال الذين يستيقظون مبكراً بحكم طبيعة عملهم، على نظام غذائي توارثوه منذ عقود طويلة عنه، فكل هذه التهديدات تنتهي إذا ما تعلق الأمر بأكلات محددة مثل "الباجة – الكوارع ونقيع الباقلاء بالسمن البلدي والكاهي بالقيمر"، فضلاً عن أطباق أخرى يعج بها إفطار الصباح (الرجولي) مثل "التكّة والكباب والفشافيش". ويعرف هؤلاء الرجال المطاعم التي تقدم الأجود من هذه الأكلات ويصل بهم الأمر لابتكار خارطة طريق بديلة يستخدمونها عندما تغلق بعض الشوارع لدواع أمنية. ويعود الأمر برمته إلى ثقافة "أكلية" عريقة، صارت جزءاً من طقس صباحي يحرص الجميع على ممارسته، وما أحلاه حين يكون المطعم في الهواء الطلق أو على الرصيف، ولا يشترط عندها وفّر أو لم يوفر الكراسي لزبائنه. ويقول الباحث الفولكلوري المعروف باسم عبدالحميد حمودي: "العراقي بطبيعته صاحب ذوق في الطعام وغالبية العوائل العراقية تعتمد على الأكل الدسم لاعتقاد ربة المنزل أنه يمنح أفراد عائلتها بنية جسمانية قوية ويرمّ العظم". وأضاف حموديثراء المطبخ العراقي وتنوع قائمة مأكولاته هو وراء هذه الشهية المفتوحة، علماً بأن الأطباق لم تتغير بتغير الزمن بل ظلت محافظة على نكهتها وحتى طريقة التقديم بقيت تقليدية هي ومقبلاتها المعتادة وفقا لما ذكر موقع العربية نت.. وهناك مطاعم ارتبطت بأسماء أصحابها، وصاروا نجوماً من خلالها مثل (باجة – الحاتي) ومثل (مطعم - قدوري لثريد الباقلاء) و(كاهي – السيد). وعلى ذكر الكاهي يجدر القول إنه إفطار يوم الجمعة المفضل لدى العراقيين، ولا يحلو تناوله إلا إذا كان مع القيمر، وكان مألوفاً منظر القرويات وهن يتجولن صباحاً بين البيوت حاملات أطباق القيمر المتعددة فوق رؤوسهن في توازن عجيب، حتى إن بعض الظرفاء قالوا إن أوروبا لم تعرف البناء العمودي إلا من خلال نسائنا القرويات. ويقول القاص رضا الحميد: "ليس الأكل وحده هو مَنْ يسعى إليه المتجمهرون هنا أو هناك.. لكنها اللمّة الجميلة، وتبادل أخبار السياسة وانتقاد الأداء الحكومي أو بعض الظواهر الاجتماعية، حتى إن المطعم يتحول أحياناً إلى هايدبارك سياسي وليس (مطعم باجة). وأضاف الحميد: "هنا عليّ أن أحذرك، إياك أن تذكر الكولسترول أو الدهون الثلاثية أمام المتعصبين لهذه الأكلة الشعبية الأولى، خشية الدخول معهم في مشادة كلامية تكون أنت الخاسر فيها أولاً وأخيراً". ولا يكاد يخلو بيت عراقي من (تنور طيني) لصنع الخبز، حيث تصلك رائحة العجين على بعد أمتار ليست قليلة، وجلباً للزبائن فإن المطاعم الحديثة أنشأت لها أفراناً لتقديم الأرغفة الطازجة لزبائنها خصوصاً مع الباجة. وإذا كانت بعض البلدان تحتفل بأكلاتها القومية وتقيم لها مهرجانات تتراشق بمكوناتها الأساسية كالطماطم والبيض والباذنجان، فلخيالنا أن يتصور نوع المهرجان الذي سيقام في العراق للأكلة الوطنية (الباجة) إذا ما تراشق الجمهور بمكوناتها الأساسية أيضاً.