حكم المحكمة الدستورية المصرية العليا ببطلان ثلث مجلس الشورى ينذر بأزمة سياسية حادة بعد أن قضت المحكمة بحرمان المجلس من سلطته التشريعية التي ترى المعارضة أنه استغلها لتمرير "طوفان" من القوانين تصب فقط في مصلحة حكومة الرئيس محمد مرسي وتضر بأصول الدولة المدنية. "الحكم كان متوقع، لأنها نفس القواعد المنظمة لمجلس الشعب الذي تم حله بقرار من نفس المحكمة أيضا وكذلك أوصى تقرير هيئة مفوضي المحكمة بحل المجلس"، كما يشير حسام بهجت مدير المبادرة المصرية لحماية الحقوق الشخصية لسكاي نيوز عربية. "المحكمة حاولت تفادي اتهامها بالتسيس عن طريق إرجاء تنفيذ الحكم لحين انتخاب مجلس الشعب، ولكن حتى هذه المحاولة لم تنجح وبدأ على الفور الهجوم على الحكم من قبل أعضاء حزب الحرية والعدالة والتيار الإسلامي"، كما يشير بهجت. ويضيف "الحكم به رسالة سياسية حيث يقول للمجلس ألا يتوسع في التشريع فمنذ بداية العام الحالي والأجندة التشريعية للمجلس أكثر طموحا وأكثر سرعة من الأجندة التشريعية لمجلس الشعب ويقول له أن شرعيته مطعون فيها". وقد قضت المحكمة ببطلان مادة انتخاب الثلث الفردي من مجلس الشوري، على أن يبدأ سريان الحكم مع بدء انعقاد مجلس النواب المقبل. ومددت المحكمة بقاء مجلس الشورى لحين انتخاب مجلس نواب جديد، لكنها حظرت عليه إصدار تشريعات جديدة. كما قضت بعدم دستورية المادة 79 من قانون تشكيل الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور المصري الجديد، ولم يتضح حتى الآن إذا ما كان ذلك يعني بطلان الدستور الذي تم الاستفتاء عليه وإقراره أم لا. وقضى الحكم أيضا بعدم دستورية قانون الطوارئ. وكان من المتوقع إجراء انتخابات مجلس النواب أواخر العام الجاري، لكن مشروع قانون لانتخاب المجلس ومشروع قانون لمباشرة الحقوق السياسية أعيدا الشهر الماضي لمجلس الشورى من المحكمة الدستورية العليا التي قالت إن موادا في مشروعي القانونين غير دستورية. ويذكر بهجت بأن النائب الإسلامي ممدوح إسماعيل استبق الحكم بالدعوة الأسبوع الماضي إلى حل المحكمة الدستورية باستفتاء شعبي. "نحن مقبلون على أزمة جديدة حادة، فكل جانب في خندقه ومن الواضح أن الحكومة لن تقبل بالرضوخ لحكم الدستورية وأنه ستكون هناك مواجهة مفتوحة بينها وبين القضاء". واعتبر الفقيه القانوني والدستوري يحي الجمل الحكم بمثابة "زلزال قانوني يهدم كل ما بني في الفترة الماضية من عبث قانوني ودستوري".
وقال الجمل لسكاي نيوز عربية أن "المحكمة الدستورية أثبتت أنها حصن قانوني لحماية القيم الدستورية والقانون". وتوقع أن القرار "سيزلزل نظام الحكم القائم بالكامل لأنه ليس هناك سند دستوري له". واعتبر الفقيه أن تصريحات القيادي الإخواني عصام العريان عن أن الدستور المصري الجديد حصن المجلس، مجرد "عبث قانوني وغير صحيح من الناحية الدستورية". وفور صدور الحكم، وصفه وزير الدولة للشئون القانونية محمد محسوب بأنه "غير دستوري"، مرجعًا السبب وراء ذلك إلى أن الدستور نص على تولى مجلس الشورى السلطة التشريعية كاملة، حتى انعقاد مجلس نواب جديد، وبالتالي لا يجوز لأي جهة التعرض له بالحل أو الحد من اختصاصاته. وقال محسوب -عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "تنص المادة 230 من الدستور على أن يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالي سلطة التشريع كاملة حتى تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد". ويرى محسوب أن "مفاد ذلك بوضوح، أن الشعب المصري في استفتائه على الدستور اختار هذا المجلس لمباشرة سلطة التشريع كاملة بما لا يجوز لأي جهة أن تتعرض له بالحل أو أن تحد من اختصاصاته التشريعية أو تتدخل في عمله.. نص واضح وحكم لا يحتمل التفسير ككثير من أحكام الدستور لكن البعض يهوى تفسير المفسر وتفصيل المفصل وتشويه الواضح". هذا وقد أكد عضو مجلس الشورى ورئيس لجنة حقوق الإنسان ايهاب الخراط، عضو مجلس الشورى ورئيس لجنة حقوق الإنسان، أن "ما يمكن أن يحدث الآن هو أن يعود التشريع إلى يد مرسي" حسب الدستور. واعتبر النائب أنه إذا ما تم ذلك " سنقع في وضع كارثي آخر بل أسوأ من تولي مجلس الشورى التشريع لأنه لن تتم حتى مناقشة القانون وسنقع في مشكلة أكبر وفي وضع كارثي وستمر القوانين بإرادة الرئيس فقط أو بالأحرى جماعة الإخوان المسلمين التي تطالب بهذه القوانين". وقال الخراط لسكاي نيوز "منذ تولي الشورى التشريع ونحن أمام هذا الطوفان اليومي من القوانين التي يتم تمريرها بسرعة البرق حتى أصبح من الصعب علينا اللهاث وراء كل الكوارث التي يمررونها". ويؤكد أن قانون مثل قانون الجمعيات الأهلية الذي يناقشه المجلس حاليا "قانون قمعي يعطي سلطة غير مبررة للحكومة". "وعلى الرغم من أننا تخلصنا خلال المناقشات من مواد به تشبه القوانين السوفيتية، بل الفاشية، إلا أنه لا يزال ينطوي على جوانب شمولية"، حسب النائب. ويشرح الخراط أن "هذا القانون يجعل مثلا كل من يقوم بنشاط أهلي دون ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية، عرضة للمساءلة القانونية. فعلى سبيل المثال، لو مرض أحد الموظفين وقام زملاءه بجمع المال لمساعدته في العلاج أو حتى شراء باقة ورد له ، يمكن أن يتعرضوا للحبس على أساس أنهم قاموا بجمع أموال بدون ترخيص". وفي رأيه فإن "المجلس لا يدار جيدا وحزب الحرية والعدالة يحاول استخدامه كأداة سياسية لتمرير كل القوانين التي تصب في مصلحته". ويضيف "الأخطر أنها كلها قوانين مؤذية أو كارثية مثل قانون السلطة القضائية والذي يهدم القضاء المصري تماما". جوانب إيجابية.. مجلس الشورى انتخب على أجندة ولوظيفة مغايرة تماما لما يقوم به الأن، فالمفروض أن يراجع التشريعات وينقيها ولا يشرع بمثل الطريقة الميكانيكية التي أصدر بها طوفان من القوانين". ما يحدث هو أن الإخوان يحاولون أن يتمكنوا من آليات وأنماط الدولة ومحاولات تفكيك كل مؤسسات الدولة مثل النيل وقناة السويس والثقافة ومحاولات تفكيكها تجري على قدم وساق.
لكن الخراط يؤكد على وجود جانب إيجابي حيث "نجح التيار المدني في تحقيق مكاسب حقيقية على مستوى التشريع، مثلما حدث بالنسبة لقانون الانتخابات فقد نجحنا في الحصول على عدة مكاسب مثل إعادة توزيع الدوائر الانتخابية وانتزاع ضمانات لنزاهة العملية الانتخابية مثل الرقابة الدولية والمحلية وتواجد مندوبين في اللجنة طوال الوقت وإعلان النتيجة في اللجنة نفسها". "المكاسب التي حصلنا عليها من خلال المناقشات في المجلس لن يمكن تحقيقها إذا أصبح التشريع في يد مرسي يصدر به قرارات فورية"، حسب الخراط. هذا وأكد النائب صبحى صالح عضو اللجنة التشريعية بمجلس الشورى أن حكم المحكمة راعى التوازن بين حكمها السابق بحل مجلس الشعب وأعمل مواد الدستور التي أبقت على مجلس الشورى لحين انتخاب مجلس النواب وبذلك يكون الحكم لم يأت بجديد. ويرى صالح أنه بناء على ذلك فإن مجلس الشورى "مستمر في عمله التشريعي بشكل طبيعي" وكل ما صدر عنه من تشريعات وقوانين صحيح تماماً.