مع دخول المناخ فى مصر مرحلة الشحن وسرعة الانحدار نحو الاستقطاب المجتمعى، بعدما وصل الوضع السياسى إلى ذروة التأزم. برز دور حزب النور، الذراع السياسية للجماعة السلفية، وثانى أكبر الأحزاب بعد الحزب الحاكم. أظهر حزب النور منذ بدء تصاعد أحداث العنف قبل عدة أشهر، وسخونة الجدل بشأن مشروعات القوانين التى نُوقشت مؤخراً فى مجلس الشورى الجهة المنوط التشريع، قدراً كبيراً من المرونة والتفاعل السياسى الإيجابى، فعلى سبيل المثال تبنى النور موقفاً أكثر مرونة من جماعة "الإخوان" إزاء قانون الجمعيات الأهلية، الأمر الذى لقى ترحيباً واسعاً من الشارع المدنى والإسلامى معاً، كما دعا تيار الحكم إلى قراءة دقيقة ومتأنية لملف السلطة القضائية وغيرها من الملفات التى أثارت هياجاً دون مبرر. والأرجح أن حزب النور أظهر نجاحات معقولة فى التعامل مع الملفات الشائكة والحساسة التى تتصدر المرحلة الانتقالية، ومن ذلك مناهضته أحداث العنف المتواترة، ولم يكن الأداء السياسى المميز للنور هو الأول من نوعه، فقد سبقته مواقف كثيرة، وبدا ذلك فى مطالبته المستمرة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل ألوان الطيف السياسى جنباً إلى جنب جهوده فى تقريب فرص التلاقى والتنسيق بشأن حل معضلة النائب العام طلعت عبدالله ومحاولة إيجاد منفذ قانونى يبعد شبح الأزمة. وفى سياق متصل، لعب النور دوراً لا تخطئه عين فى محاولات فتح قنوات الاتصال بين جبهة الإنقاذ وغيرها من الحركات الثورية والشبابية التى تمثل الرقم الصعب للمعارضة المصرية، والنظام الحاكم، هكذا نجح حزب النور فى التعاطى بحرفية مع أزمات المرحلة، وظهر فى صورة الحزب الأكثر تفهمًَا للأجواء المضطربة فى مصر الآن، وذلك فى الوقت الذى يواجه فيه ابن عمومته وغريمه السياسى "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان" تراجعًا فى شعبيته. لذلك لم يكن غريباً أن يحقق حزب النور مكاسب واسعة فى عدد من المحافظات مثل بورسعيد والسويس وكفر الشيخ، والدقهلية والغربية، وكذلك أوساط قطاعات سياسية واسعة، خصوصًا بعدما كشف الغطاء عن الموقف الخشن للنظام السياسى بشأن التعاطى مع الأزمات السياسية والمجتمعية، ومحاولات الالتفاف عليها دون التأسيس لتفاهمات جديدة أو إجراءات تحول دون توغلها ومنع انفجارها. والأرجح أن إستراتيجية حزب النور القائمة على تخصيص مساحات أكبر للتفاهم والتوافق، بدلاً من التصادم أدخلته فى مواجهة من وراء ستار مع نظام الحكم، وبدا ذلك واضحًا فى عدة أمور، أولها الإطاحة بالقيادى فى حزب النور خالد علم الدين من الهيئة الاستشارية للرئيس مرسى فى فبراير الماضى، وثانيهما تهميش د.بسام الزرقا مستشار رئيس الدولة للشئون السياسية، يتصل بذلك التصريحات الخشنة من بعض قادة الحرية والعدالة ضد حزب النور ورموزه. وراء ما سبق، ما زالت أزمة السياحة الإيرانية تراوح مكانها وتزيد أجواء الاحتقان بين النور وجماعة الإخوان، خصوصًا بعد أن أبرمت حكومة هشام قنديل نهاية مارس الماضى برتوكولاً مع الجمهورية الإيرانية لتبادل النشاط السياحى. صحيح أن الخلاف والخصام بين الإخوان والتيار السلفى وسع الهوة بينهما، ومثل عنصراً مهماً فى تغذية الاحتقانات بين الطرفين، إلا أنه منح حزب النور الجوكر الجديد زخماً سياسياً وشعبياً واسع النطاق. غير أن ثمة تحديات، ما زالت تمثل حجر عثرة أمام انطلاقة النور أولها حذر قطاعات واسعة من المنهج السلفى المتشدد، فضلاً عن المخاوف بشأن ما أثير حول تطبيق الشريعة دون مراعاة للمستجدات البيئية والتغيرات المجتمعية. صحيح أن التيار السلفى حاول الالتفاف على هذه المخاوف وإزالة اللبس حول المنهج السلفى، فظهرت على مواقع التواصل الاجتماعى حركة "سلفيو كوستا" نسبة إلى سلسلة المقاهى العالمية "كوستا كوفى"، إلا أن المخاوف ما زالت قائمة، وغذتها بعض الفتاوى السلفية الجامدة التى يصدح بها شيوخ الفضائيات الدينية. لذلك سعى الحزب بشكل حثيث نحو معالجة هذه المغالطات وثانيهما الصورة النمطية للحزب فى الوعى الجمعى العالمي، فالارتباك والتشويه هما العنوان الأبرز لصورة الحزب على المستوى الخارجي، وربما انتبه حزب النور لهذا الأمر قبل وقت قريب، وجاءت البداية بكسر حاجز العزلة مع الولاياتالمتحدة وفتح قنوات اتصال مع إدارة أوباما وجنباً إلى جنب جاءت زيارة قيادات الحزب للقارة الأوروبية مطلع مايو الجارى للتواصل مع الأوروبيين وتغيير الصورة غير الصحيحة عنهم، إضافة إلى توصيل رسالة سياسية مفادها أنهم البديل الأقدر على إدارة المشهد السياسى المصرى ويبقى التحدى الثالث مرتبطاً بالحساسية المفرطة إزاء العلاقة مع نظام الملالى فى إيران، حيث يبدى الحزب اعتراضاً على مد جسور التعاون مع طهران وراء ما سبق تمثل السلفية الجهادية التى تمثل الفكر القطبى القائم على التكفير عمودها الفقرى، شبحاً يلقى بظلاله على صورة التيار السلفى الذى يمارس العمل السياسي، لاسيما فى ضوء أحداث العنف التى شهدتها سيناء مؤخراً واتهام الجماعات السلفية الجهادية بالتورط والوقوف وراء عدد كبير منها. بقيت معضلة رابعة تتمثل فى استمرار الاشتباك بين حزب النور الذى يجتهد فى تقديم تنظيرات شرعية متماسكة وأفكار عصرية رصينة تتلاءم مع تحولاتهم الفكرية والسياسية، و"السلفية العلمية" القصد أن حزب النور بات يمثل كتلة ضخمة فاعلة، ويحظى بثقة مجتمعية واسعة، لكن تبقى قدرته على توحيد الصف السلفى وتطوير صورته الذهنية عالمياً إضافة إلى علاقته مع التيار الحاكم محك اختبار، لاسيما أن جماعة الإخوان تسعى جاهدة إلى إحكام الطوق على مؤسسات الدولة دون الاستجابة لمطالب وتطلعات شركاء الوطن.