دعا ريتشارد سويفت رئيس التحرير المشارك سابقا لمجلة "نيو إنترناشنالست"- الصادرة في بريطانيا- إلى ضرورة تمصير الديمقراطية بما يلائم عشوائيات القاهرة والقرى المتربة في الصعيد، وذلك حتى يتم ترسيخها في عصر ما بعد الرئيس الحالي حسني مبارك، ويتخلص بها من التقليد التاريخي لحكم الفرد والاستبداد. وقال في مقال بعنوان "إحكام قبضتنا على الديمقراطية" في عدد المجلة الصادر لشهر مارس، إن دعاة الديمقراطية في مصر- كما في باقي أنحاء العالم- لهم رؤى متباينة لا تنهض لتشكيل ديمقراطية راسخة، مضيفا أن "نشطاء الديمقراطية في مصر لا يزالون يواجهون دولة متسلطة يدعمها جهاز أمن مخيف وحلفاء غربيون لا يسألون إلا أسئلة قليلة لا تكاد تذكر (عن أعمال القمع وغيرها من الممارسات اللاديمقراطية)، ومن ثم فلا يوجد أمامهم تقليد سياسي ديمقراطي يمكن أن يعولوا عليه ويأتي بوجوه (سياسية) مختلفة تماما" إلى السلطة. ووصف الكاتب الحزب "الوطني الديمقراطي"- على الرغم من اسمه- بأنه مثال واقعي للحكم الديكتاتوري، حيث أنه خرج من عباءة النظام العسكري الذي يتولى السلطة منذ أوائل الخمسينيات، وأشار إلى الظروف التي أحاطت بإطلاق الحزب، لافتا إلى أن الرئيس الراحل أنور السادات الذي حل محل جمال عبد الناصر رئيسا لمصر في 1970 أدرك أن النظام القومي بحاجة إلى وجه مدني وكان هذا الوجه المدني هو الحزب "الوطني الديمقراطي"، وهو ليس من الديمقراطية في شيء، على حد تعبيره. واعتبر في المقابل أن حركة "شباب 6 أبريل" التي ظهرت إلى النور عام 2008 تذكر بطريقة ما بالثورات "الملونة" التي اجتاحت دول الاتحاد السوفيتي سابقا، وتقوم فكرتها على تشكيل جبهة عريضة تشمل أطيافا سياسية تبدأ من "الإخوان المسلمين" وتنتهي بالشباب العلماني مرورا بالشباب الساخط والهائج، وأن التخلص من النظام يمثل صلة الوصل بينهم للعمل على وضع ترتيبات ديمقراطية تقليدية وليكن بعدها ما يكون، لكن الغرب الذي هلل للثورات "الملونة" في الاتحاد السوفيتي سابقا متواطئ مع النظام الحاكم في مصر. ويخشى الغرب في حال تطبيق المزيد من الديمقراطية في مصر حدوث طوفان من التطرف الإسلامي واجتياح حقوق الأقليات، لكنه يستبعد ذلك ويقول: "بالنظر إلى عدم وجود ما يؤكد ذلك، فإن حدوث انفتاح ديمقراطي قوي سيؤدي بذات الدرجة من القوة إلى ازدهار العديد من التيارات السياسية- ومنها الاشتراكي والليبرالي ومختلف ظلال التيار الإسلامي، والمسيحي القبطي- القابعة تحت السطح". واتهم النظام المصري بالمسئولية عن التعصب في مصر من خلال استغلال "اللعب بورقة الخوف الذي يشمل خوف الغرب من الإسلام السياسي، والخوف الإسلامي من العلمانية، ومخاوف الأقلية من التعصب، وخوف الجميع من الشرطة"، وحذر من أن إحكام قفل الغطاء يشجع التعصب بفاعلية أكبر بكثير من ترك مختلف الأصوات تتحدث إلى بعضها البعض على الأقل حتى ولو كان هذا الحديث به صياح في بعض الأحيان. وقال إن استراتيجية الجبهة العريضة ل "حركة 6 أبريل" لا تزال متشككة في القضايا الخاصة بالعولمة الاقتصادية، قائلا إن ذلك النوع من التناغم مع سياسات السوق مثلما حدث بالاتحاد السوفيتي السابق، من غير المرجح أن يحدث في مصر وهي بلد اعتاد سكانه مكابدة تكاليف الخصخصة والتراجع في المخصصات الاجتماعية، وحذر من أنه بدون فكرة واضحة عن العناصر الاقتصادية للديمقراطية تواجه الحركة خطر التجرد من أهم مقومات الحركات الداعية للديمقراطية وينتهي بها المطاف إلى أن تتحول إلى صيغة الحد الأدنى من ذلك النوع من الحركات المطالبة بالديمقراطية وهو ما يجعلها تسقط بسهولة في يد أولئك الذين يملكون المال والسلطة يتلاعبون بها. وخلص الكاتب إلى أن العولمة تلائم بشكل أفضل النظم السياسية التي يرتفع فيها مستوى لا مبالاة المواطن تجاه سياسات العولمة ويفضل أن تكون هذه اللامبالاة باختياره الحر، وإن لم يكن باختياره الحر فبالإكراه من جانب الدولة المستبدة كما هي الحال في مصر أو الصين، ووصف أمريكا الشمالية بأنها أكثر الأمثلة نجاحا على ذلك النموذج من "السوق القوية/ الديمقراطية الضعيفة". وأشار إلى تجربة شعوب أمريكا اللاتينية في انتخابات حكومات- في أضعف الإيمان- تتشكك في "الليبرالية الجديدة"، حيث قطعت هذه الشعوب علاقاتها مع نوعية الحكومات التي سادت في الماضي القريب وكانت تكن الود للعولمة، وغالبا ما كانت وحشية ودكتاتورية عسكرية، وذهب نشطاء الديمقراطية إلى حد العمل على غرس الديمقراطية في المجتمعات المحلية وأماكن العمل بإعطاء الناس الحق في إبداء آرائهم بشأن قرارات سياسة أساسية. وختم قائلا: ربما تكون مصر مختلفة عن أمريكا اللاتينية، لكن الأشكال المؤسسية للديمقراطية اللازمة لإقامة ديمقراطية قوية في حاجة إلى تكييفها لتتلاءم مع عشوائيات القاهرة وقرى الصعيد المتربة، ومجموعة الأدوات اللازمة لإجراء هذا التكييف موجودة وهو ما يفسح المجال أمام احتمال أن تكون ديمقراطية مع بعد مبارك أعمق جذرا وأوسع أثرا من البورصة في وسط القاهرة.