يتميزني الغيظ كل يوم من إهدار دولة القانون بعد الثورة المصرية التي نجحت في اقتلاع رأس الفساد مبارك في 11فبراير 2011، واستقبل الشعب هذه الثورة بالفرح والترحاب، بل شاركنا الشعب العربي نفس الشعور من الخليج إلى المحيط، وإن كانت سياسات رؤساء هذه الدول عليها ألف مقال، كنا نتمنى بعد هذه الثورة العظيمة أن تطهر بؤر الفساد وأركانه، والتحفظ على جميع قيادات النظام السابق وعمل محاكمات ثورية فورية لها، إلا أننا بمجرد أن تركنا الميدان بخديعة تذكرني بخديعة ديلسبس لعرابي قبيل معركة التل الكبير حينما حينما هم عرابي بردم قناة السويس، ليمنع مرور القوات البريطانية وطالت الحيلة على عرابي، وسرعان ما ظهر الوجه الخيانى ل"ديلسبس" الذي سمح للقوات البريطانية بالمرور في القناة، حتى وصلت إلى الإسماعيلية ثم كانت الهزيمة النكراء في معركة التل الكبير سنة1882، التي أوقعها الجنرال البريطانى "ولسلى" لجيش عرابي في أقل من عشر دقائق، نتيجة خيانة أحد قواده الكبار ويدعى الأميرالاي على خنفس بك، الذي تواطأ مع الخديو والإنجليز في وقت واحد، وظهرت عبارة أطلقها الشعب في هذا التوقيت تقول "الولس كسر عرابي"، وهذا الموقف يتشابه مع "خاير بك" الذى تراسل مع العثمانيين ضد بني جلدته من المماليك فكانت الهزيمة في موقعة مرج دابق سنة 1516، هذه الحوادث لم تكن من المواقف الخيانية الوحيدة التي حدثت في مصر، وإن كنا قد بدأنا نشم روائح مشابهة لها على الساحة الآن، وسوف أسرد لك عزيزي القارئ موقفًا شبيهًا لهذه المواقف التي سردناها لك، هو موقف الشرطة المصرية ووزير داخليتها أحمد جمال الدين يوم موقعة الاتحادية عقب الإعلان الدستوري، حيث تم فتح الموانع للبلطجية حول قصر الاتحادية، الذين أعلنوا أن نظام الرئيس سيسقط الليلة، وانسحبت الشرطة واختفت تمامًا من الساحة، وحاول رئيس الجمهورية الاتصال بوزير الداخلية الذي رفض أن يرد عليه لمدة ست ساعات، وأخيرًا رد عليه بكل غلظة وسوء أدب، بطريقة لم يكن ليجرؤ أن يتحدث بها إلى سيده وتاج رأسه المجرم حبيب العادلي، الذي مازال هو وآلاف الضباط أمثاله يدينون بالولاء له ويرفضون النزول للشارع وحماية أمن المواطن، قال الوزير للرئيس: "اكتب لي أمرُا حتى أتعامل مع هؤلاء المتظاهرين بالرصاص الحي"، تصور الرجل أن نظام مرسي سيسقط، وسوف يكافأ من الانقلابيين، ولكن الله خيب ظنه أوقعه في "حيص بيص"، وكتم الرئيس في نفسه بما عرف عنه من اتزان وروية وقت الشدائد، وتم تغيير الوزير (الذي ينتمي لأكبر عائلة معظمها ينتمي للحزب الوطني المنحل)، بعد إقرار الدستور برجل مثله ومن عينته، من الذين يستأسدون على الإسلاميين ويطاردونهم في جهاز أمن الدولة المجرم، في نفس الوقت يكونون حملان على البلطجية والمجرمين أمثال "البلاك بلوك"، الذين يروعون المواطنين، وإذا سعينا إلى أحد الأقسام لنحرر محاضر بهذه الوقائع نسمع كلامًا عجبًا من عينة: (خلي مرسي ينفعكم .. بكرة سنذبح الخروف الكبير.. أنا لا يمكنني أن أسمع لسجين كنت أعذبه..)، ولقد شاهدت أحد جنرالات الشرطة مؤخرًا يصف الإسلاميين، الذين تظاهروا سلميًا أمام جهاز أمن الدولة، بأنهم مجرمون لصوص وشيوخ منصر، وذلك على إحدى القنوات الفضائية الإسلامية. والسؤال المطروح الآن: لماذا يسكت الشعب على تخاذل الشرطة في منع الجريمة والحد من معدلها؟ بالرغم من تحسن أحوالهم وزيادة مرتباتهم بعد الثورة، لماذا لم نر ضباط الشرطة في الشوارع؟ لماذا لا نرى أفراد المرور يقومون بواجبهم؟ لماذا يسكت الرئيس على تخاذل المقصرين من هذا الأجهزة التى ترهق ميزانية الدولة؟ ولقد مررت بالأمس على إحدى مديريات الأمن، فوجدت الجنود ينامون فى السيارات، ومنهم من يلبس "الشباشب" ويتحدث في الهواتف المحمولة طوال الوقت (بيحب بسلامته.. أوعى تقولي بيجمع تحريات؟؟!)، ما كان هذا ليحدث لو وجدت قيادة رشيدة توجه هؤلاء، ولكن القيادات أعلنت أنها في إجازة لمدة أربع سنوات طالما كان رئيس مصر ينتمي للتيار الإسلامي في سدة الحكم.
لماذا لم يتم تطهير هذا الجهاز من رجال العادلي الفاسدين الذين عاثوا في البلاد وأظهروا فيها الفساد؟ لماذا لا تتم محاسبة المقصرين الذين تحدث الجرائم في نطاق عملهم؟ لماذا لا نعلن مبدأ الثواب والعقاب في كل أجهزة الدولة؟ إلى متى يتم تدليل القائمين على الأمن في البلاد دون محاسبة على التقصير؟
والشيء الذى يحير هو تحميل الإعلام لمرسي ولحركة حماس عن اختطاف الجنود، ويكتب أحد عشاق البيادة في جريدته التي أسسها القذافي وصدام حسين في مانشتات من عينة "عار عليك يا مرسي.. مرسي يغل يد الجيش عن التدخل لتحرير الجنود المختطفين.. لماذا تخلى الجيش عن الشعب"، وكان لزامًا عليهم أن يتم توجيه النقد للذين يعصون أوامر الشعب ولا يحمون أمنه.. كان لزاما على هذا الإعلام الفاسد أن يعلن الحرب على المقصرين والفاشلين الذين يعج بهم الجهاز الأمني للدولة. آن الأوان أن يطهر الرئيس مرسي أجهزة الدولة من الفاسدين الذين يعمدون في تعطيل العمل وإعاقة الإنتاج، وينشرون اليأس لمرؤوسيهم، وأتمنى أيضًا منه أن يصارح الشعب أولًا بأول ويتعامل معه بشفافية أكثر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.