فى كل مرة يظهر عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين فى مصر مع قامات عالمية، كان آخرهم مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، نتأكد من أن المساحة شاسعة بين من يعمل لخدمة وطنه وبين من يعمل لخدمة أهله وعشيرته.. وكان مشهدًا متناقضًا عندما جلس خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجمعية الإخوان.. نعم "جمعية" كما تقنن وضع الجماعة القانونى أخيرًا، بجوار مهاتير محمد فى مؤتمر صحفى. ظل "الإخوان" إبان انتخابات الرئاسة يتغنون بأنهم أصحاب رؤية اقتصادية عملاقة، وأن لديهم رجالاً من الاقتصاديين المهرة وأنهم سيجلبون 200 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصرى ودفعه من عثراته, وأن مشروع "النهضة" هو مستقبل مصر، حتى أعلن الشاطر أن المشروع "أونطة"، يعنى "وهم كبير" باعه هو وقيادات الجماعة للضحك على المصريين للقفز على كرسى الرئاسة.. وبعدما ظهروا على حقيقتهم، وأن "الشاطر" فيهم آخره يسرح فى الأتوبيسات ب"نفتلين بليه"، أو أمشاط وكبريت وحجارة قلم.. بدأوا فى "الشحاتة" على مصر من قطر حليفهم الإستراتيجى "المريب" ثم التصالح مع رموز نظام مبارك الذين كانوا عقب الثورة حسبما روج الإخوان "شياطين" وحاليًا صاروا "ملائكة.. وهى "براجماتية" ليست غريبة على من كان يتعاون مع جهاز أمن الدولة ليحصد مقاعد فى مجلس الشعب.. وعلى من كان يتظاهر بارتداء زى المعارضة جهرًا.. بينما يبرم الصفقات "سرًا".. ولا على من كانوا يعلنون دعمهم للثوار إبان صعود نجمهم فى ثورة 25 يناير، وحاليًا يزجون بهم فى "الزنازين" عندما يعارضونهم.. محاولين تشويه صورة الشباب النقى الذى لا يعرف مصالح ولا مؤامرات ولا يبرم صفقات، لأن كل همه تقدم ورقى وطنه، لذا انتفض فى 25 يناير بينما كانت "الجماعة" تترقب الموقف وتقف على خط الحياد تنتظر لترى من الفائز لتنضم إليه؟! وكل الشواهد تؤكد أنهم كانوا فى ذيل من انضم للثورة وللأسف حاليًا يحصدون ثمارًا لم يغرسوها.. ثم ينكلون بالذارع الحقيقية الذى أدمت يداه وهو يحمل معاول الأمل.. لذا لم يكن غريبًا ألا نجد رجل أعمال إخوانيًا يقيم مشروعات عملاقة تخدم الاقتصاد الوطنى، رغم أن جيوبهم "منفوخة" من خير مصر، وإلا من أين ملايين النجمين الكبيرين فى "بينزنس" الاقتصاد السرى اللذين يلعبان حاليًا دورى جمال مبارك وأحمد عز؟؟ وما فجر ضحكى هو ما قالته مواقع "إخوانية" ووسائل إعلام مضللة محسوبة على الجماعة بأن مصر سوف تستنسخ تجربة ماليزيا الاقتصادية قبل أن يلقمهم مهاتير حجرًا ليصمتهم بقوله "الشعب الماليزى اتفق على تنحية الخلافات العقائدية جانبًا.. ولا توجد أى تفرقة دينية فى العمل"، فى إشارة واضحة إلى ما كرسه "الإخوان" وبعض التيارات الدينية المتشددة من انقسام بين المصريين. وما يزيد حسرتنا على ما نعيشه حاليًا من فرقة ما صرح به مهاتير بأن ماليزيا بدأت تجربتها فى وضع أصعب بكثير من الوضع الحالى بمصر بوجود أصناف مختلفة من الشعب الماليزى بتنوع واختلاف فى الطبيعة البشرية، ف60% مسلمين، و30% بوذيين و10% هنودًا، مشيراً إلى أنه رغم ذلك إلا أن الشعب الماليزى اتفق على عدم الاهتمام بتلك الخلافات العقائدية وتنحيتها جانبًا، ووضع فى وجهته التطور والنهضة. كما يعكس الفشل "الإخوانى" ما ذكرته صحيفة "المصرى اليوم" بأن مصادر وثيقة الصلة بخيرت الشاطر كشفت أنه عرض على مهاتير محمد الإشراف على تنفيذ مشروع تنمية محور قناة السويس، على الرغم أنه مشروع وطنى خالص وأمل مصر فى مستقبل رغد - لو نفذ بعيدًا عمن يريدون "بيع الوطن" - كما يفرض عرض الشاطر تساؤلاً مهمًا، ألا يوجد فى مصر التاريخ والحضارة قامة اقتصادية قادرة على إدارة هذا المشروع؟ وحتى لا نتجنى على "الإخوان" دعونا نقرأ سيرة وتاريخ مهاتير محمد لندرك أنه يصعب على أى "إخواني" يومًا أن يستنسخ تجربته ليس عيبًا فى مصر أو تقليلاً من قدراتها وإمكانياتها، ولكنه نقص وعيب في "الجماعة" التى فشلت فى تقديم النموذج الذى يلتف حوله المصريون.. وبصراحة "عملت خير".. لحد هنا وكفاية نهضة. ويعد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد من القادة السياسيين والاقتصاديين المتميزين فى آسيا، حيث استطاع تغيير وجه ماليزيا، إذ تحولت من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلى الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالى الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التى تسير فى الشوارع الماليزية. وتولى مهاتير محمد (88 عامًا) رئاسة وزراء ماليزيا، فى الفترة ما بين 16 يوليو1981 إلى 31 أكتوبر 2003، مما يجعلها أطول فترة لرئيس وزراء فى ماليزيا، وهى من أطول فترات الحكم فى آسيا.. وامتد النشاط السياسى لمهاتير محمد – رابع رئيس وزراء لماليزيا - لما يقرب من 40 عامًا، منذ انتخابه عضواً فى البرلمان الاتحادى الماليزى عام 1964، حتى استقالته من منصب رئيس الوزراء فى عام 2003. وكان لمهاتير محمد دور رئيسى فى تقدم ماليزيا وتمكن من أن ينهض بها تنمويًّا ويجعلها فى مصاف الدول الاقتصادية المتقدمة، وبعد عمل شاق انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر من 52% من إجمالى السكان فى ماليزيا عام 1970، أى أكثر من نصفهم، إلى 5% فقط فى عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزى من 1247 دولارًا فى عام 1970 إلى 8862 دولارًا فى عام 2002، أى أن دخل المواطن زاد لأكثر من سبعة أمثال ما كان عليه منذ ثلاثين عامًا، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3% وكان خلال فترة حكمه من أكثر القادة تأثيراً، كما يعتبر من أكثر المعارضين للعولمة.