لعلَّ المشاهد العراقي والعربي شاهد المنظر المشرّف الذي ظهر عليه الدكتور حارث الضاري عندما ارتقى منصة مؤتمر نصرة المقاومة -الذي عُقد مؤخراً في العاصمة اللبنانية (بيروت) على مدى ثلاثة أيام- من أجل إلقاء كلمته -وإن شئت فقل من أجل إلقاء ملخص مشروع المقاومة على مدى سبع سنين من عمر الاحتلال- عندما ارتطمت أيدي الحاضرين ببعضها، تصفيقاً وابتهاجاً بممثل المقاومة العراقية الباسلة، التي تعمل بكل جدّ، واتزان، وتطور، ونشاط. إنني أقول هذه المقدمة تعليقاً على ما حدث عندما كنت جالساً مع بعض الأخوة، في وقت أظهرت فيه شاشات الفضائيات بما فيها (الجزيرة القطرية) فعاليات المؤتمر، وتحديداً الموقف ارتقاء الضاري، الذي أشرت إليه. يوم أن علّق أحد الحاضرين بأنَّ (قائد العراقيين) الفعلي هو هذا الشيخ الذي يحمل هموم العراق والعراقيين ومعاناتهم على ظهره منذ سنين، دون أن يُظهر تألماً أو يُرى منه كلل أو ملل. ثم إنَّ الواقع العراقي في ظل التطورات التي يعيشها ويشهدها على كافة الأصعدة، بما فيهما الصعيدين (السياسي والأمني) إذا قورن بفعاليات هذا المؤتمر، وتوقيت انعقاده، وأهمية هذا المؤتمر، ستظهر فيه جملة من القراءات المهمة، التي لا ينبغي تجاهلها بحال من الأحوال، في وقت تحتاج فيه المقاومة العراقية مزيداً من الدعم؛ لتحقيق أهدافها النهائية، في ظل ما حققته وتحققه من انجازات حقيقية على الأرض، وما يرافقه من تطورات في نوع المقاومة الرائع الذي تخترعه الفصائل العراقية الجهادية الباسلة، بما أوقع العدو في مأزق جديد، بعد أن تصورت مخيلتهم، جهلاً وتعامياً، بأنَّ المقاومة العراقية تحتضر، فإذا بها تنهض مع تطور نوعي ملحوض في أساليب الأعمال القتالية بما أرهق العدو الأمريكي المحتل. وأريد أن أقف عند ثلاثة دروس مهمة، تتعلق بفعاليات هذا المؤتمر، مما لا يمكن تجاهله، أو التعامي عن رؤيته، أو غض الطرف عنه.. ومن أهم ذلك: • المقاومة العراقية والتمثيل الحقيقي لا تفتأ أن تظهر المقاومة العراقية الباسلة في كل محفل دولي من أجل قول كلمتها، كونها الممثل الحقيقي للشعب العراقي؛ على اعتبار أنَّ المقاومة هي السبيل الناجع الذي يفرض نفسه على واقع البلدان التي تحتلها القوى التوسعية الظالمة. فضلاً عن أنها تعبّر عن ضمير الأمة ومبادئها الأصيلة الرائعة، التي غالباً ما ينهض بها، ويقودها، ويدافع عنها، ويدعمها شرفاء الأمة وعظمائها. في وقت تكفل لهم فيه كل القوانين الدولية ذلك الحق، بعد أن كفلته الشرائع السماوية، دفعاً للعدو الصائل المغتصب لحقوق الشعوب دون وجه حق. (وأؤكد هنا بأنَّ المقاومة المشروعة هي تلك التي تستهدف الاحتلال، وهي تختلف عن الارهاب الأعمى الذي يقتل أبرياء الشعب العراقي). وفي حضور المقاومة العراقية، ممثلة بالشخصيات العراقية المتنوعة، تطور كبير، يأخذ أهميته من أهمية مثل تلك المؤتمرات الدولية، التي غالباً ما يحضرها ويشارك فيها عدد كبير ومهم من البلدان العربية، والإسلامية، والدولية. يرافقه إجماع من المشاركين في المؤتمر على أنَّ المقاومة هي الممثل الشرعي للعراق المحتل، وأنها ضمير الأمة الحي، ولا بديل عنه لإجبار الاحتلال على الخروج من العراق، وتركه لأهله الحقيقيين الذي يستأهلون حكمه بعدل بين أبنائه، دون تمييز طائفي، أو عرقي، أو قومي، مما فرضه الاحتلال، كواقع مأساوي، تجرّع معه أبناء الشعب العراقي أسوأ أيامهم، بعد أن كان العراق من أفضل دول المنطقة على الاطلاق، وإذا به يتربع اليوم على المقعد الأول في قلة الأمن، والفساد الإداري، والمالي، والبطالة، والسرقات وما شابه ذلك مما تعيشه أسوأ بلدان العالم. من هنا تظهر المقاومة كممثل شرعي للشعب العراقي، الذي يأمل في الخلاص القريب من الاحتلال وعصاباته التي فرضها قسراً على الشعب المظلوم. • الضاري، الرائد الصادق إذا كان الأثر ينصّ على (أنَّ الرائد لا يكذب أهله) فإنه ينطبق تماماً على حال الشيخ حارث الضاري، الذي تم اختياره ممثلاً لتقديم ملخص عن المقاومة العراقية، وتاريخها، وإنجازاتها، ومشاريعها، ومشكلاتها، ومعالم مستقبلها. ولا يكاد يختلف اثنان أنَّ هذا الاختيار كان موفقاً؛ فإنَّ الشيخ الضاري من علماء الشريعة، ومن الوطنيين الرواد، الذين صدقوا شعبهم، في ثباته على مواقفه الرائعة المشرفة منذ اللحظة الأولى لاحتلال العراق، وهو من يقدّم ويصف الصورة الحقيقية التي يعيشها ويشهدها الواقع العراقي. وهذا الاختيار الذي وضع الشيخ حارث الضاري واجهة للمقاومة العراقية، مثلما وضع (مثلاً) خالد مشعل واجهة للمقاومة الفلسطينية. أقول: إنَّ ذلك الاختيار من قبل اللجنة التي نظّمت المؤتمر الدولي، لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد قراءة فاحصة، تنبؤ عن غاية في الدقة، وحسن الاختيار؛ خاصة إذا ما عُلم بأنَّ عشرات الدول في العالم تشارك في هذا المؤتمر، وتمَّ التحضير له على أعلى مستوى، من قبل لجان دولية، شملت شخصيات معروفة بتاثيرها على الشارع العربي والإسلامي، بل والدولي. وبالجملة فإنَّ دروساً مهمة لا يمكن تجاهلها من اختيار الشيخ الضاري ممثلاً عن المقاومة العراقية، في مؤتمر دولي، تشارك فيه كل فعاليات المقاومة والممانعة في العالم، وما تبعها من تطورات مهمة. الدرس الأول: الإجماع السكوتي لكل فصائل المقاومة، والرضا المُطبق الذي شهده هذا الاختيار الموفق، فإنَّ الشيخ الضاري الذي تم اختياره في وقت سابق ممثلاً سياسياً للتحدث باسم جملة كبيرة من الفصائل قد تقترب من خمسة عشر فصيلاً مقوماً، يعتبر اليوم متحدثاً وممثلاً عن كل الفصائل في مؤتمر ومحفل دولي، لم تعترض فيه جبهة أو فصيلاً على هذا الاختيار، مما يدلل على أنَّ هناك رضا عاماً على هذه الشخصية التاريخية، التي تستلهم القوة والشجاعة والتاريخ والتجربة من آبائه وأجداده، الذي خلّصوا شعب العراق من أذى وظلم الاحتلال البريطاني في عشرينيات القرن الماضي. الدرس الثاني: لقد كان الملخص الذي قدّمه الشيخ الضاري عن إنجازات المقاومة العراقية، في إطار التاريخ العام لهذه المقاومة الباسلة درس بليغ لكل من يتفوهون زوراً بأنَّ المقاومة لم تحقق شيئاً على الأرض يُذكر. وأنها مجهولة، وتائهة، ولا يمثلها أحد من المعروفين والمؤثرين. فأنْ يظهر الشيخ الضاري المعروف عالمياً، فإنَّ هذا الأمر بلا شك سيعطي المقاومة زخماً وقوة مضاعفة، تتلمس من خلالها صلابةً في الإنجاز الذي لا يمكن لأحد التعامي عنه، كما يعطيها القوة الحقيقية في التمثيل السياسي، الذي يطالب به المطالِبون. الدرس الثالث: إنَّ البشارات التي ساقها الشيخ حارث الضاري، من أنَّ المقاومة مستمرة، وهي تستعيد عافيتها بعد أن توهّم المرجفون بأنها تحتضر، أو أنها انتهت وماتت. وهو ما يقوّي من عزيمة المقاومين. ثم إنَّ في تلك الكلمة الجامعة التي احتوت على البشارات المتنوعة درس بليغ للمقاومة، ومشروعها، والمقاومين الأبطال، بأنَّ عليهم مواصلة مشوار التحرير، بعد أن لاح النصر في الأفق، في وقت يتعرض فيه جنود الاحتلال الأمريكي أقسى أيامهم، سواء على الصعيد العراقي، أو على الصعيد الأفغاني. بما جعل العدو يفقد صوابه، ويختل توازنه، بما ضاعت معه كل الخطط والاستراتيجيات التي يضعها كبار القادة العسكريين في الولاياتالمتحدةالأمريكية. • المقاومة، والمشروع القادم المقاومة لها مشروعها المبني على أساس تحرير الأراضي العراقية من براثن الاحتلال الأمريكي. وإذا كانت المقاومة قد قطعت شوطاً عمره يقرب من سبع سنين، قدّمت وهي سائرة في طريق هذا المشوار آلاف الشهداء والجرحى، مع ما يرافقه ويقابله من خطط أمريكية تُراجع في كل فترة من فترات الاحتلال، وتقتضي من خلال تلك المراجعة تغييراً يظهر معه ذلك الإرباك الشديد الذي تتسم به الإدارة العسكرية الأمريكية، تنعكس تماماً على الإدارة السياسية والسيادية. والمقاومة وقد صار لها اعتراف ملحوظ من قبل المجتمع الدولي، ومنظماته المختلفة فإنَّ عليها وضع مشروع يتناسب وهذا التطور الرائع في صالح المقاومة العراقية الباسلة. والحق أنَّ هذا المشروع بدأ منذ إحساس بعض الفصائل الجهادية المؤثرة في الساحة العراقية بضرورة التمثيل السياسي، فتم بموجبه تخويل واختيار الشيخ الضاري ممثلاً عنها في المحافل الدولية. وهذا ما نؤكد عليه، فإنَّ التمثيل السياسي يضمن الحقوق، ويكون قطف ثمرة ذلك الجهاد والرباط أضمن وأسرع. ولا تقل أهمية ذلك عن ضرورة تقديم الدعم الإعلامي لتلك المقاومة، والترويج لمشروعها، في وقت نشهد فيه مؤامرات أمريكية على ذلك الإعلام المقاوم، يقف في مقدمتها الفضائيات التي تتبنى وتدعو لمنهج الممانعة للهيمنة الأمريكية. وكان آخر تلك المؤامرات ما تبناه مجلس النواب الأمريكي من مشروع يحظر بموجبه منع القنوات التي تناصر منهج المقاومة من البث الفضائي، ومعاقبة الأقمار التي تستضيفها. وهذا يدعو جميع المناهضين للاحتلال أن يقفوا وقفة مشرفة موحدة لمناصرة إخوانهم، والدفاع عن مشروع المقاومة الهادف لتحرير البلدان من الغاصبين، مع ضرورة الوعي التام بأنَّ النصر قادم بلا ريب ولا مراء.