نحب البدايات ففيها معنى الأمل ودائمًا تحمل وعدًا بالسعادة وتحقيق الآمال، البداية فجر يوم جديد يتسلل ضوءه راسمًا في السماء لوحة قوس قزح بألوانها المتدرجة الساحرة حين نتنفس نسيم الصباح العليل ونستمع لأصوات الطيور التي استيقظت لتعزف سيمفونية البهجة ولحن الجمال. لا يشعر بهذا الجمال كل البشر فأغلبهم يصحو من نومه ضجرًا متعبًا مثقلًا بأعباء الأيام السابقة واللاحقة أيضًا، يوقظه صوت المنبه ويلقي ملابسه علي جسده عازفًا عن مباهج الدنيا مركزًا بصره على التقاط صور القبح ومظاهر القهر حتى يجد متنفسًا لإخراج الحمم التي يفور بها باطنه فينتقد ويتأفف ويسب ويلعن ويعود مساءً لينام بصعوبة ولا ينسى أن يضبط المنبه ليوم جديد يعرف مسبقًا أنه كالقديم إن لم يكن أسوأ. ولكن من يقع في الحب لا يرى سوى هذا الجمال، فجأة تتفتح عينيه على بهجة الحياة ويتناسى قبحها ويتجاهله، تغزوه طاقة خلاقة مبدعة فيصبح قادرًا على تحمل مشاكل حياته، مقبلًا على أداء عمله راغبًا في الحياة. فإذا تزوج من يحب فإن طائر السعادة يأخذه على جناحيه محلقًا به إلى أعالي السحاب، تنسحب هذه الحالة تدريجيًا ويعود صاحبنا إلى الأرض وتخفت أنوار جمال الدنيا من حوله ليعود ضجرًا متعبًا مثقلًا بالمزيد والمزيد من الأعباء. إنه الملل والاعتياد عدو الإنسان الأول والذي ابتكر لمواجهته الفنون والآداب ليكسر بها رتابة الحياة، تزداد حدة مواجهة الرتابة في الحياة الزوجية فمهما كانت مميزات شريك الحياة فإن رؤية نفس الوجه ونفس المعني يولد الشعور العميق بالملل. يكاد يشعر الزوج أن يد امرأته هي يده الثالثة وتكاد الزوجة تعرف إجابة سؤالها لزوجها قبل أن تنطقه، وربما تصبح تحية الصباح الزوجية هي صباح الخير أيها الملل. من مضاعفات هذه الحالة الوصول لحافة الطلاق أو دخول الزوج في حالة حب جديد تنشط خلايا الإحساس لديه وتجعل العمر يأتي من أوله وتعيده إلى لحظة البداية، فيرى الجمال كله في فتاة بسيطة لمجرد أنها جديدة ويبرر أفعالها ويتلمس مزاياها فإذا وصل معها للمأذون فإنه يهبط على أرض الواقع الصخرية بشكل أسرع مما سبق ويصرخ المنبه في أذنه فلا يستيقظ ولا يرى من الحياة سوى مشاكلها ويعود ليخنقه الشعور بالملل حتى لا يقوى على مجرد إلقاء التحية عليه. قيل للزوجات تفنن في تغيير الشكل واللبس ولون الشعر لمقاومة غزو الملل الزوجي وقيل للأزواج أكثروا من السفر والتنزه والبعد عن جدران البيت، وهو كلام وجيه فعلًا فالتغيير عكس الملل، ومنظر البيت من الداخل بجدرانه وأثاثه وستائره تكاد تلتصق بحدقة عين الإنسان من كثرة ما تصطدم بها. ولكن يؤسفني القول إن كل هذه النصائح هي مجرد مسكنات وليست علاجًا جذريًا فهي كمادات باردة على رأس محموم. ربما كان العلاج الأمثل هو الانشغال الكامل للطرفين في السعي في الحياة حتي يصبح لقاءهما حارًا مليئًا بالأحداث والخبرات المتبادلة، ومن المهم أيضًا المواجهة المستمرة لتصفية أسباب الملل فيصارح أحد الزوجين صاحبه بما يؤلمه بشكل لبق ولائق حتى لو أدى ذلك لخلافات ومشاحنات وخصام إلا أنه يعيد الحياة بعدها لسياق جديد يمنع تراكم ذرات الملل وتكلس المشاعر، والتي يساعد عليها التظاهر بالسعادة وكتمان الألم. ومن المؤكد دائمًا أن التدين العميق واللجوء لله في كل وقت يجدد القلب، وكذلك فإن حب المعرفة والبحث عن جديدها ينشط الذهن ويحرك الخيال ويجعل الزوج شخصًا آخر حين نراه من وجهة نظر مختلفة.