بحلول العام الثاني على وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض واختياره لإدارته الحالية برز الحديث في كافة الأوساط الأكاديمية والسياسية عن ماهية السياسات التي سوف تتبعها الولاياتالمتحدةالأمريكية في المرحلة المقبلة، لاسيما مع إخفاق أوباما وسياساته في العام الأول في تحقيق الأهداف الرئيسة والمصالح الوطنية الأمريكية. وفى هذا السياق فرضت عدة قضايا ذاتها على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية لعام 2010 وهى التي تمثل تحديات كبرى لأوباما وإدارته لعل أبرزها قضية الحرب على الإرهاب لاسيما تنظيم القاعدة سواء في أفغانستان أو باكستان أي حتى اليمن، معضلة العلاقات الأمريكية - الإيرانية بكافة جوانبها بخاصة البرنامج النووي والعلاقة المتدهورة بين النظام في واشنطن ونظيره في طهران، ذلك فضلاً عن الركود الذي أصاب عملية السلام في الشرق الأوسط. الحرب على الإرهاب: خيار أمريكي لا بديل عنه منذ وقوع الأحداث الإرهابية في الولاياتالمتحدةالأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر2001 وما تلاها من عمليات في مختلف العواصم العالمية لاسيما الأوروبية منها وقد احتلت مكافحة الإرهاب المرتبة العليا على أجندة السياسية الخارجية لمختلف دول العالم على رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي وضعت استراتيجيها العالمية التي تهدف لقمع وتجفيف منابع الإرهاب مهما كلفها ذلك من ثمن وخسائر في الأرواح والأموال. ولهذا خاضت حربًا شرسة وهجمات واسعة النطاق إزاء حركة طالبان والجماعات التابعة لها في أفغانستان في عام 2001 ودعم الحكومة الباكستانية في مواجهة أتباع الحركة في الأراضي الباكستانية، ثم غزوها للعراق على الرغم من معارضة الأممالمتحدة لاسيما مجلس الأمن على ذلك عام 2003، وأخيرًا في اشتراكها في دعم الحكومة اليمنية تجاه المتمردين الحوثيين. بالنسبة لأفغانستان، لعل أبرز ما أثاره الرئيس أوباما في ربيع وصوله إلى السلطة هو ضرورة التخلي بصورة تدريجية عن النهج العسكري بعد وصول عدد القتلى من الجنود الأمريكيين إلى ما يقرب من 900 جندي أمريكي وفقًا لتقديرات موقع قناة BBC الإخبارية. هذا بالطبع خلافًَا للخسائر الأخرى في العتاد والأموال وغيرها. وفي محاولة للتقليل تلك الخسائر قدر الإمكان والحفاظ على أرواح الجنود الأمريكيين في الأراضي الأفغانية، أعلنت الإدارة الأمريكية عن إمكانية التخلي عن النهج العسكري والاتجاه إلى السبل السلمية القائمة على التفاوض مع من أطلقت عليه إدارة أوباما "المعتدلين من حركة طالبان"، ولكن بمجرد أن جاء رد حركة طالبان رفضًا ذلك معللاً بعدم فهم المطلب الأمريكي وعدم وجود معتدلين في الحركة وأن الحركة كلها يد واحدة ولن تقبل بالوجود الأمريكي في كافة الأرجاء الأفغانية، تراجعت الإدارة الأمريكية عن هذا وكأنها كانت تنتظر هذا الرد من حركة طالبان حتى تغير ما تعهدت به. وقد انعكس ذلك على القرار الأخير للرئيس أوباما بزيادة أعداد القوات الأمريكية في الأراضي الأفغانية بما يقرب من 30 ألف جندي حيث جاء منسجمًا مع توصية قائد القوات الأمريكية في أفغانستان جنرال "ستانلي ماك كريستال". بالتالي فإن هذا القرار يؤكد على التزام الولاياتالمتحدة في عام 2010 تجاه أفغانستان باعتبارها أحد المنابع الرئيسة للإرهاب وفقًا لما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مما ينذر باستمرار بلادها في مكافحة الإرهاب بأي وسيلة ممكنة بما في ذلك تكثيف وزيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان. أما اليمن فقد أصبحت إحدى ساحات القتال الجديدة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية من جانب وتنظيم القاعدة من جانب آخر وذلك بعد محاوله تفجير الطائرة الأمريكية على يد النيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي تلقى كافة تدريباته على يد تنظم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وإعلان التنظيم في اليمن مسئوليته عن العملية على الرغم من فشلها. ولذا، فقد استهل أوباما عامه الثاني في البيت الأبيض بفتح جبهة جديدة في إطار استراتيجية مكافحة الإرهاب ذلك على الرغم من الخسائر الضخمة التي تتكبدها قوات التحالف لاسيما الأمريكية منها في الجبهات المختلفة بخاصة أفغانستان. أوباما والمعضلة الإيرانية: أهداف جديدة للمرحلة المقبلة تعتبر مسألة إعادة صياغة علاقة أمريكية - إيرانية جديدة قائمة على الثقة أحد أبرز التحديات التي واجهت وسوف تواجه الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس باراك أوباما وخصوصًا بعد أن بلغ التصعيد ذروته في أواخر عهد الإدارة السابقة بقيادة الرئيس بوش وفريقه المتشدد ذات الخلفية المحافظة التي تعتمد بالأساس على القوة العسكرية. ومع بداية عامه الأول حاول أوباما وفريقه منذ اللحظة الأولى احتواء النظام الإيراني بالإعلان عن إمكانية اللجوء للحوار مع إيران في كافة القضايا المشتركة لاسيما فيما يخص القدرات النووية الإيرانية وضرورة التخلي عنها. في هذا الشأن أرسل أوباما مبعوثًا خاصًا للمرشد الأعلى: "آية الله علي خامنئي" للتفاوض بشأن تلك المسألة، كما تحدث الرئيس الأمريكي مباشرة للشعب الإيراني بمناسبة العام الجديد عن ضرورة إقامة علاقات جيدة مع المجتمع الدولي لاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية. لكن كل تلك المحاولات قد باءت بالفشل ولم تستطع الإدارة الأمريكية إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي وبالتالي بدأت الولاياتالمتحدة مرة أخرى بالحديث عن العقوبات مما لم يؤثر تمامًا على الموقف الإيراني من المسألة بل زاد الأمر سوءًا حيث أعلنت إيران منذ أيام قليلة عن عزمها في إنشاء ما يقرب من 20 موقعًا نوويًّا جديدًا. فضلاً عن تطوير نوعية جديدة أكثر تطورًا من أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في دورة تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى تطوير إيران المستمر لقدرتها العسكرية التقليدية لاسيما بعد إقامة تجربتها للصاروخ الإيراني الجديد من طراز "سجيل 2" الذي يصل مداها إلى قرابة 2000 كيلو متر. على الرغم من فشل هذا النهج السلمي التفاوضي في تحقيق الهدف المباشر منه وهو تحجيم القدرات النووية الإيرانية إلى أن كافة التوقعات تشير إلى استمرار أوباما وإدارته في عام 2010 في استخدام ما يطلق عليه النهج المرن “soft Approach”، ذلك لما أفرزه من أثر غير مباشر تمثل في تحريك المعارضة والرأي العام الإيراني في مواجهة النظام الحالي، حيث أكد عديدٌ من المحللين يأتي في مقدمتهم "جيسكا ماسيوس" Jessica Mathews رئيسة مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي أن هذا النهج الأمريكي يعد أحد الأسباب الرئيسة لأحداث 12 من يونيو التي انتفضت فيها المعارضة الإيرانية حتى وصلت إلى حد الاشتباكات بينها والنظام الإيراني لاسيما الحرس الثوري الذي واجه المعارضة ومارس ضدها كافة السبل القمعية وصلت إلى حد الاعتقال والملاحقة. ولهذا تجدر الإشارة إلى أن أهداف أوباما والإدارة الأمريكية – وفقًًا لروبرت كاجن " “ Robert Kagan- لن تنحصر فقط في محاولة تحجيم القدرات الإيرانية سواء أكانت تقليدية أم غير ذلك-، وإنما سوف تمتد لتشمل تغير النظام الإيراني لتأتي بآخر يخدم مصالحها. ويمكن تحقيق تلك الأهداف عن طريق دعم الصدع الأخير في المجتمع الذي حدث من جراء إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد واعتراض المعارضة واتهامها للنظام بتزوير الانتخابات، وهذا ما أكد أيضًا عليه بول سالم" Paul Salem مدير مركز كارنيجي الشرق الأوسط Carnegie Middle East عن طريق عدة خطوات لعل أبرزها؛ الدعوة لتحقيق مزيد من الديمقراطية والشفافية في إيران وانتقاد أوضاع حقوق الإنسان وهى أمور لم تتحدث عنها الولاياتالمتحدة في وقت سابق حيث كان البرنامج النووي الإيراني هو الشغل الشاغل ليس لإدارة بوش فحسب وإنما في السنة الأولى لأوباما في البيت الأبيض، ثانيًا: الإبقاء على النهج التفاوضي القائم على عقد الصفقات. أوباما وعمليه السلام الراكدة الحقيقة أن فشل أوباما في وضع حد للمعضلة الفلسطينية- الإسرائيلية لا يعتبر إخفاقًا في حد ذاته وذك لاعتبارات عديدة يأتي في مقدمتها طبيعة الصراع وطول فترته الزمنية وكثرة تعقيداته، كما أن توقيت وصول أوباما للسلطة في ظل أزمة غزة الأخيرة والقصف والاجتياح الإسرائيلي المكثف لقطاع غزة قد زاد من صعوبة موقف أوباما خصوصًا في أنها جاءت في بداية عهده وفي الوقت الذي كان يستعد فيه لإعادة ترتيب البيت الأمريكي من الداخل ومحاولة التخفيف من حدة الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت العالم أجمع وتداعياتها على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام والقطاع المصرفي على وجه الخصوص. ولكن هذا لا ينفي مسئولية وعدم الحديث عمَّا حدث في قطاع غزة من قبل القوات الإسرائيلية من استهداف المدنيين والمباني التابعة للأمم المتحدة الرغم من تلك الممارسات الإسرائيلية كانت تخالف كافة المواثيق الدولية لاسيما اتفاقية جينيف الرابعة الخاصة بعدم استهداف المدنيين إبان النزاعات المسلحة. وإنما الفشل الحقيقي لإدارة أوباما ينبع بالأساس من عدم قدرة الإدارة الأمريكية الحالية في تحريك عملية السلام الراكدة، فمنذ بداية هذا الصراع لعبت الولاياتالمتحدة الدور الأكبر في مراحل عملية السلام وكانت الراعي الرئيس لكل خطواته حتى وإن باءت بالفشل ولكن كان ذلك الدور متواجدًا. لكن منذ وصول أوباما للسلطة غابت الولاياتالمتحدة بصوره شبه كاملة وتقلص ذلك الدور الأمريكي التاريخي والمعروف كوسيط في عملية السلام أو المسار التفاوضي الفلسطيني – الإسرائيلي. والحقيقة أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يعد أحد أبرز التحديات التي ستواجه أوباما وإدارته في عام 2010 لاسيما بعد تزايد تدهور الأوضاع والغياب الأمريكي العام المنصرم، لهذا يمكن توقع قيام الإدارة الأمريكية بمزيد من الخطوات لدعم السلطة الفلسطينية بوجه عام والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن في وجه حركة حماس، ذلك فضلاً عن تقديم دعم مالي لسكان قطاع غزة. وهذا ما أكد عليه " بول سالم" Paul Salem مدير مركز كارنيجي الشرق الأوسط Carnegie Middle East، في مقابلة مع قناة BBC الإخبارية، أن الاستراتيجية الأمريكية سوف تقوم على ثلاثة عناصر أساسية؛ العنصر الأول: تقديم اعتراف والتزام من قبل أوباما على أن إنهاء الصراع الفلسطيني يعد في صميم المصلحة القومية الأمريكية ولهذا على الولاياتالمتحدة تقديم سبل الدعم السياسي والاقتصادي لإنهاء هذا الصراع، العنصر الثاني: تقديم الدعم الكامل للسلطة لاسيما الرئيس أبو مازن ورئيس الحكومة سلام فياض وكافة المؤسسات الفلسطينية الأمنية في الضفة الغربية، العنصر الثالث: بذل مزيدٍ من الجهد من قبل المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط من لإعادة إحياء عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط المصدر: تقرير واشنطن