سنوضح أن الذين يروجون لأكذوبة اضطهاد الأقباط بمصر هم إما جهلة بتاريخ العالم وبمعنى كلمة الاضطهاد، وإما خونة ومضللون يريدون إشعال فتنة طائفية لإحراق الوطن مستغلين ما ساد البلاد من مظالم وفساد لربطه بالاضطهاد، مع أن الحقيقة هي أن الإسلام وحده هو الذي حقق للأقباط وللآخر كل الحقوق والعدل والخير والسلام وليس المسلمون بطبيعة دينهم إرهابيين كما يروج العلمانيون الكاذبون، وإنما كل الحضارات في تاريخ العالم قد اتسمت بالعنف واضطهاد الآخر بل إن المسيحيين قد نالهم الاضطهاد من المسيحيين المخالفين لهم في المذهب منذ الدولة الرومانية التي حدثنا عنها جيبون في كتابه "قيام وسقوط الدولة الرومانية" قائلًا: (إن المواطن كان فقط من أحرار روما أما الباقي فهم عبيد ورعايا وأعداء ولا حقوق لهم) وهذه النظرة الاستعلائية قد ورثها الغرب والأمريكان في تعاملهم مع الآخر حين أبادوا شعبًا بأكمله هم الهنود الحمر ليحتلوا أرضه ثم خطفوا الزنوج من إفريقيا لاستعبادهم في زراعة هذه الأرض وتضطهدهم وتمارس معهم التفرقة العنصرية مثلما يفعل البيض الغربيون من اضطهاد للسود في جنوب إفريقيا، مثلما يضطهد الصرب المسلمين في كوسوفا والبوسنة والهرسك وأبادوهم في مجازر جماعية تمامًا مثلما تفعل إسرائيل من عنصرية واضطهاد وسجن وإبادة ضد المسلمين في فلسطين، ولا عجب في ذلك إذا عرفنا أن الشريعة اليهودية في كتبهم المحرفة تحرض على الرفض للآخر والاستعلاء عليه باعتبارهم شعب الله المختار وأنه ليس للآخر -أي غير اليهودي- شخصية قانونية ويمكن التعامل بالربا مع غير اليهودي ويمكن سرقته وبيع ملك الغير ما دام ليس يهوديًا كما أنه لا يرد لغير اليهودي شيئًا يعثر عليه فقد ورد في سفر التثنية في الإصحاح رقم 19 (لأن الله لا يغفر ليهودي ذنبًا إذا كان يرد للأممي ماله المفقود)، وورد أيضًا في العهد القديم ما يؤكد هذه النظرة الدونية للآخر وذلك في سفر التثنية أيضًا في الإصحاح 7 (لأنك شعب مقدس للرب إلهك إياك قد اختار لتكون له شعبًا خاصًا من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض)... أما في ظل الإسلام فلقد تعايش المسلمون مع الآخر من اليهود والمسيحيين في مصر وفي المشرق والمغرب وفي الأندلس وكان منهم الأطباء والفلاسفة والوزراء بينما في حرب الاسترداد بالأندلس اضطهدوا المسلمين في محاكم التفتيش على يد فرديدناند وإيزابيلا وطردهم وطردوا معهم يهود الدونمة الذين لم يجدوا إيواءً إلا في المغرب الإسلامي وفي دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، وهكذا أحرق الغرب الصليبي في الأندلس المسلمين حتى لم يعد هناك حطب في الغابات لإحراقهم كما يقول المستشرق "ليفي بروفنسال" في كتابه "الحضارة العربية في أسبانيا"... بل إن الغرب المسيحي قد اضطهد المسيحيين المخالفين لهم مثلما حدث في القرن السابع عشر من التعصب الديني الذي أشعل الحرب ثلاثين عامًا في إنجلترا بين الكاثوليك والبروتستانت منذ عام 1618م حتى عام 1648م، وما زالت أثار ذلك قائمة في أيرلندا حيث تفجيرات جيش التحرير في لندن للانفصال عن المملكة البريطانية بل إن الإنجليز قد طردوا البروتستانت إلى أمريكا ليستوطنها وكان الرومان يضطهدون المسيحيين في مصر للخلاف بين مذهب اليعاقبة والنساطرة حتى هرب الرهبان إلى الأديرة ولم يستعد الأقباط حريتهم وحقوقهم إلا بالفتح الإسلامي، ولذلك ساعدوا عمرو بن العاص لعلمهم بسماحة المسلمين وفعلًا أنصف الخليفة عمر بن الخطاب القبطي ضد ابن أمير مصر وواليها عمرو بن العاص وجعله يضرب ابنه قائلًا: (اضرب ابن الأكرمين.. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا)، ويروي الطبري في كتابه أخبار الأمم والملوك أن سيدنا عمر رأى يهوديًا يشحذ فحزن قائلًا هل نأكله في شبابه ونرميه في شيخوخته وأمر له بنصيب دائم في بيت مال المسلمين، وقد تعلم عمر رضي الله عنه ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: (من آذي ذميًا فأنا خصيمه يوم القيامة) وأوصى بقبط مصر فإن لهم صهرًا ونسبًا بل تزوج من مارية القبطية وزوج أختها سيرين لشاعره حسان بن ثابت والزواج هو قمة المحبة والاحترام والمودة والرحمة.. وقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم مهدًا بالأمان والحقوق لنصارى "نجران" وكذلك فعمل عمر بن الخطاب في عهده لأهل إيلياء عند فتح بيت المقدس وكان الشعار الذي رفعه النبي هو (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) ويقول تعالى: (وطعام أهل الكتاب حل لكم) المائدة – 5، وقال تعالى (لكم دينكم وليا دين) ونهى عن سب آلهة المشركين حتى لا يسبوا الله، وقال تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم.. أن تبروهم وتقسطوا إليهم)، وقال: يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا) الحجرات 13، فهل بعد كل هذه المساواة والتسامح وقبول الآخر يقال إن الأقباط بمصر مضطهدون.