في دراسة علمية جديدة صدرت مؤخرًا، مبنية على استطلاع رأي بين شرائح مختلفة من المصريين، وهي العمدة في الدراسات التي تتحدث عن الأمور الدينية في مصر، وتعطينا صورة أكبر عن عدد وطبيعة الملحدين واللادينيين في مصر، خاصة أنها مخصصة للظاهرة في مصر دون غيرها، الدراسة منشورة بالإنجليزية، ويرجع الفضل في اكتشافها للدكتور أحمد الغيطي الذي يستعد لترجمتها كاملة. الدراسة مشتركة بين اثنين من الأساتذة الإيرانيين، الأول هو منصور معادل أستاذ الاجتماع بجامعة ميتشجن، والثانى هو تقى أزدار مكي، أستاذ العلوم الاجتماعية لجماعة طهران. حيث أظهرت الدراسة أن نسبة الذين لا يؤمنون بإله فى مصر تصل إلى 3 بالمائة، وهو ما يعني أنهم لا يقلون عن مليونين ونصف المليون شخص، هذا بخلاف اللادينيين وأصحاب الاجتهادات المختلفة كالقرآنيين ونحوهم. لم تقتصر الدراسة على قياس مسألة العقيدة، بل تناول استطلاع الرأى عددًا من الأمور المرتبطة بالدين، منها أن 22% فقط من العينة يقومون بأنشطة دينية أيًا كان نوعها، أكثر من مرة في الأسبوع، بينما تقول إن من يؤدون الطقوس الدينية لمرة واحدة في الأسبوع، صلاة الجمعة مثلًا، لا تتجاوز نسبتهم 45 بالمائة، أى أن 55 بالمائة من المصريين لا يؤدون طقوسًا دينية. كما أن 51 بالمائة فقط من المصريين يثقون بالمسجد أو الكنيسة، في حين أظهر 49 بالمائة أنهم لا يثقون بالمساجد أو الكنائس، والمعنى هنا بالطبع يتناول رجال الدين القائمين على هذه المؤسسات. اللافت أنه كلما زاد مستوى التعليم قلت الثقة في المؤسسة الدينية، حتى إن 64 بالمائة من الجامعيين لا يثقون بالمساجد والكنائس. اللافت في الدراسة أن الشباب بين 18 و25 سنة هم الأقل ترحيبًا بالحجاب، وأن هناك 32 بالمائة من الشباب يرون أن الأفضل للسيدة ترك الحجاب. كما ذكرت الدراسة أن خمسة بالمائة من المصريين يؤمنون بأن الزواج ظاهرة عفى عليها الزمن ويفضلون العلاقات الحرة وتنتهي الدراسة إلى القول: إن 43 بالمائة من المصريين يرون أن السلطة الدينية سبب رئيس في كثير من مشكلات المجتمع. وقد كان من اللافت أيضا أن نسبة كبيرة من المحجبات المصريات لم يصوتن للرئيس الحالي بل على العكس قدمن أصواتهن لمرشح النظام السابق، في واقعة كنت أنتظر تحليل السياسيين وعلماء الاجتماع لها بدلًا من الهرتلة السياسية عبر الفضائيات فيما لا يغني ولايسمن من جوع. وباعتقادي أن ما جعلنا نصل إلى هذه الحالة التي أصبحت مثار اهتمام الغيورين على دينهم وإيمانهم ووطنهم جملة من التصرفات والأفعال والأفكار والمعتقدات التي كانت المخزون الفكري والموروث الثقافي لهم والتي كان من أبرزها مايلي: • إنكارهم للغيبِ جملة وتفصيلًا، وقصرهم الإيمانَ بحدودِ الملموس والمحسوس فقط، دونَ ما غابَ عن العين، أو لم يُمكن إدراكهُ بالحسِّ . • استهزائهم بالشعائر الدينيّةِ جميعها، ووصفهم لأهلها بالرجعيينَ والمتخلّفينَ، ومحاربة أي دعوةٍ إلى التديّن أو صبغ الحياةِ بمظاهر الدين. • ميلهم نحوَ احتقار العربِ، واحتقار عاداتهم وسلوكهم، ومدحهم للشعوبيّةِ والباطنيّةِ. • دعوتهم للتغريبِ والالتحاقِِ بالغربِ، والأخذِ بجميع ثقافاتهم وأمورهم الحياتيّةِ، والتعلّمُ منهم ومن سلوكيّاتهم . • حربهم الشرسة على الأخلاق والعاداتِ الحميدةِ، وادّعائهم أنّهُ لا يوجدُ شيءٌ ثابتٌ مُطلقاً، وأنَّ الحياة والأخلاقَ والعاداتِ، في تطوّر مستمرٍّ، وأنّ الثباتَ على الشيءِ إنّما هو من شأن الغوغائيينَ والمُتخلّفينَ والرجعيينَ وقد قاد هذه الحرب عدد من الشيوعيين ومن أطلقوا على أنفسهم أنصار اليسار المصري. • تعظيمُ المادّةِ والطبيعة، وكذلكَ تعظيمُ جميع العلوم الطبيعيّة، وجعلها أساسَ كلِّ الحضاراتِ، وافتعال صراع مزعوم بينَ الدين والعلم التطبيقيِّ . • منعهم من محاربةِ الاحتلال، ووقوفهم دائمًا ضدّ المقاوماتِ الشعبيّةِ، ووصفها بصفاتٍ بشعةٍ، والدعوة إلى مهادنةِ الغازي والتعايشُ معهُ. • تعاونهم الوثيقُ مع الصهيونيّةِ والماسونيّةِ، ومدحهم اللامحدودَ لليهودِ وللصهاينةِ، وهذه سمة غالبة على جميع الملاحدةِ والمرتدّينَ، حيثُ يجعلونَ إسرائيلَ أفضلَ أهل الأرض، ويميلونَ إليهم ويمدحونهم، ويدعونَ إلى التعايش معهم وقبولهم، ويقدحونَ في حركاتِ المقاومةِ وفي أطفال الحجارةِ. • الإدعاء بأنّ الدينَ سببٌ للتناحر ونشر البغضاءِ في الأرض، وأنّهُ تسبّبَ في إشعال وإذكاءِ نار الحروبِ . • تعريض بعض رموز الإعلام والقادة السياسيين بكثير من رموز الدين وعلمائه إضافة إلى حالة التسيب الفني والإبداعي التي فتحت الباب أمام الاستهزاء برجال وعلماء الدين خلال الستين عامًا الأخيرة في مصر في أعمالهم الفنية تحت عباءة حرية الفكر والاعتقاد وحرية التعبير عن الرأي. لعلي هنا أعود فألخص القول، بأن أصابع الاتهام تشير إلى: • الممارسات الدينية في مصر، ففي حين انشغلت الكنيسة بالسياسة وتقديم العديد من الممارسات التي تؤكد المرجعية السياسية لمسيحيي مصر في مواجهة مؤسسات الدولة السياسية والاجتماعية، وكذلك الأزهر الذي يحاول البعض تسييسه، وانشغال الجميع بالعمل السياسي. دون النظر إلى المشكلات الحقيقية التي تواجه المجتمع المصري بجميع أطيافه وفئاته العمرية. وهاهو المفكر كمال زاخر يشاركنا الرأي ويعيد القضية إلى مربعها الأول فيتهم المؤسسات الدينية بأنها السبب في الإلحاد "أرجع كمال زاخر، المفكر ومنسق التيار العلماني القبطي في مصر، تراجع أعداد المسيحيين بالسنوات العشر الأخيرة بإنجلترا -حسبما ذكر آخر إحصاء للسكان في إنجلترا- إلى حرية الاعتقاد التي تكفلها بلادهم، مضيفًا «الاعتقاد في الغرب مسألة شخصية، فهم يقدرون الإنسان أيًا كانت اعتقاداته وأوضح زاخر أن أسباب ظاهرة الإلحاد المنتشرة بالغرب تختلف عن مثيلتها بمصر، ففي مصر تقع مسئوليتها على عاتق المؤسسات الدينية، التي لم تستطع الحفاظ على تابعيها لانشغالها بأمور أخرى، مستطردًا «الإلحاد في الغرب يكون بناءً على تفكير، على عكس الإلحاد في الشرق، فالملحد يختاره بشكل عاطفي لصدمته بالمؤسسة الدينية، أو عدم اقتناعه بها . • التطرف الديني، والتعصب، والاستقطاب الديني والسياسي لجماعات الإسلام السياسي وكذلك الكنيسة وبعض اتباعها من الكهنة والقساوسة وقد شجعهم على ذلك بابا الأرثوذكس، والهجوم المتوالي من بابا روما بندكت السادس عشر على الإسلام والمسلمين وانشغاله بالآخر، وقد كان عنوان الحقيقة في هذا الأمر الأداء السياسي السيئ للإخوان المسلمين والجماعات السلفية التي خرجت علينا من تحت الأرض، وكذلك بقضية كورال التيار الإسلامي المتشدد وما قاموا به من إقصاء للآخر، واستقطاب للأعوان وغيرهم . • ضعف الوازع الديني لدى قطاعات عديدة من الشباب المصري وبخاصة أولئك الذين تغربوا في أوروبا وأمريكا، وكذلك من سنحت لهم فرص العمل والتعلم والاحتكاك المباشر بالمؤسسات التعليمية الغربية، ففي منطقة الخليج على سبيل المثال كان جليًا عودة المبتعثين في الغرب من طلبة الدراسات العليا الخليجيين محملين بتيارات الإلحاد المعاصر من عينة الحداثيين والعلمانيين والليبراليين الذي ادعى أحدهم في مقال نشر مؤخرًا بضرورة تخليق ما يسمى "بالليبرالية المؤمنة" الليبرالية أم حجاب كما أسميها أنا ودعوة آخر إلى الاعتراف ب "الليبرالية بطعم سعودي" ونحن في مصر لدينا هذا النوع من الفكر. • الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي خلقها التيار السياسي الديني، واستئثارهم بالمشهد كله دون مشاركة الآخر الذي شارك معهم في الثورة، وشاركهم أيضًا معاناة ما قبل الثورة. ومن ثم عبر هؤلاء عن إسلام لا نعرفه، وعن ثقافة لم يخترعها المصريون، وعن وعي جاهلي استغرابي مقيت، ومن ثم كان هذا السلوك المشين تمهيدًا جيدًا للأرض التي يقف عليها ملحدو مصر. الذين كانوا الملهم الحقيقي لملحدي العرب.