قال الدكتور صلاح جودة رئيس مركز القاهرة الدراسات الاقتصادية إن الذي يحكم الأسعار اليوم، مجموعة من مافيا التجار الذين يجيدون احتكار السلع في مصر. وأضاف أن النظام الحالي عاجز عن ضبط الأسواق كما أن عدم وجود تشريعات ملزمة للكافة بفرض عقوبات عليهم فى حال زيادة هامش الربح، حيث نرى أن جميع الدول بما فيها الدول الرأسمالية بها قانونين مهمين جدا، هما منع الممارسة الاحتكارية وقانون لتحديد هامش الربح لكن للأسف الشديد لا يوجد فى مصر قانون لهامش الربح، فمثلا كيلو اللبن الذى يباع بتسعة جنيهات، يأخذ فيه التاجر هامش ربح لا يقل عن 82 %. مشيرا إلى أنه عندما انخفض الجنيه أمام الدولار كانت أكثر نسبة انخفاض لا تتعدى من 30 % إلى 32 % فقط، ونتيجة للانفلات الأمني والانفلات الاقتصادى ولا توجد أسعار ولا توجد رقابة على السوق، زادت جميع الأسعار الموجودة بما لا يقل من 50 % إلى 60 %، كما زادت بعض أسعار السلع المثيلة أو المحلية من قبل التجار عندما وجدوا أن أسعار السلع المستوردة من الخارج زادت. وأوضح جودة أن الشيء الأهم وجود مجموعة من المحتكرين للسلع في مصر، فعلى سبيل المثال نجد مجموعة من رجال الأعمال يحتكرون تجارة وصناعة الأسمنت رغم أن عددهم لا يتجاوز سبعة أفراد، وهناك مجموعة رجال أعمال يحتكرون استيراد اللحوم ومجموعة لاستيراد مواد البناء ومجموعة لاستيراد السلع الغذائية، لأن قانون الاحتكار والممارسة الاحتكارية غير مفعل فى مصر، ولا يوجد رقيب عليه أما بالنسبة لموارد الطاقة فتوجد بها العديد من المشكلات المشكلة الأولى أن الحكومة غير قادرة على إدارة الأزمة، والمشكلة الثانية أن الحكومة ليس لديها خطة مستقبلية. وعن المتسبب فى احتكار السوق المصرى يؤكد جودة أن الحكومة بالكامل هى السبب لأن الحكومة من المفترض أن تقوم بفرض وتفعيل التشريعات الموجودة عن طريق الرقابة المتمثلة فى وزارات التموين والتجارة والصناعة ومجلس الوزراء ووزارة الداخلية ومنظمات المجتمع المدنى بأكملها أو المسماة بحماية المستهلك وجمعية مواطنون ضد الغلاء، وهى للأسف الشديد غير مفعلة أيضا. ولضبط السوق المصرى ناشد جودة كل جهة فى الدولة أن تقوم بالاختصاصات المخولة لها فى مقدمتها الحكومة، وأن يصدر مجموعة من التشريعات على رأسها تحديد هامش الربح للقطاعات المختلفة فى الصناعة والزراعة والتجارة، على أن يتم تفعيل قانون منع الاحتكار وإعادة المواد الخاصة به، بحيث يتم مصادرة جميع الأرباح الاحتكارية. وفى السياق ذاته أشار أسامة غيث الخبير الاقتصادى، إلى أن السوق المصرى منذ تفكيك القطاع العام فى عهد السادات سواء عن طريق الخصخصة أو سيطرة الدولة على الإنتاج وعلى التجارة الداخلية وعلى التجارة الخارجية التى تقلصت لصالح القطاع الخاص، ومنذ هذه اللحظة لا توجد بمصر سوق رأسمالية حقيقية قائمة على المنافسة بين أطراف متعددة، هدفها فى النهاية صالح المستهلك، لأن المنافسة فى النظام الرأسمالى عمادها تحقيق صالح المستهلك من خلال تحقيق جودة عالية وسعر ملائم بين متنافسين متعددين، سواء كانوا منتجين أو كانوا موزعين فى علاقات التجارة الداخلية أو مستوردين. وأضاف غيث "المشكلة تكمن فى أنه ظهرت فى مصر منذ هذه الفترة مجموعة من الاحتكارات تسيطر على قطاعات الإنتاج وتسيطر على التجارة الداخلية وتسيطر على عمليات الاستيراد وهذه الأمور تعمقت بشكل كبير جدا فى ظل النظام البائد، لأن هذه الحلقات الاحتكارية ارتبطت بسلطة الدولة، ومعه تصاعد نفوذ الاحتكار نتيجة أن رأس المال ارتبط بالنفوذ السياسى وارتبط بالسلطة، والمصالح أصبحت متبادلة وأصبحت إدارة النشاط الاقتصادى جزء يديره مجموعة من رجال الأعمال على السطح ويتشاركون فى المنافع مع كبار المسئولين عن السلطة فى كافة المواقع بما فيهم أبناء المخلوع، وأصبح معلوما أنه ليست هناك قدرة على إدارة أى نشاط إنتاجى أو نشاط تجارة داخلية بالحجم الكبير أو نشاط استيرادى بدون تأمين من السلطة الحاكمة. وبدون الاتفاق على تقاسم الأرباح أدى هذا إلى غياب السعر الحقيقى عن معاملات الاقتصاد المصرى تماما، ودفع المستهلك ثمنا فادحا للأسعار الاحتكارية المغالى فيها دائما بشكل كبير، والتى يتمكن من خلالها المسيطرون على النشاط الاقتصادى من أن يحوزوا الأرباح التى يرغبون فيها، ومن الأمثلة البارزة سيطرة أحمد عز على صناعة الحديد، وكذا سيطرته على شركة الدخيلة للحديد، حتى يتمكن من فرض احتكاره بدون أن يدفع الثمن، ولكن الواقع فى النشاط الاقتصادى أن هناك ما بين 10 إلى 15 فردا أو شركة أو مؤسسة عائلية تسيطر بدرجة كبيرة على التجارة الداخلية، وعلى أسواق الجملة للمحاصيل الزراعية وبالذات للفاكهة والخضروات، كما أن هناك من 10 إلى 15 فردا أو منشأة عائلية يسيطرون على التجارة الخارجية لمصر بمعنى الاستيراد والتصدير. وتابع غيث من خلال هذه الصورة الاحتكارية للنشاط الاقتصادى، أصبحت هناك قدرة فى فترات مستمرة على رفع الأسعار بدون مبررات اقتصادية ترجع إلى التكلفة سواء كانت تكلفة محلية أو تكلفة خارجية نتيجة ارتفاع الأسعار فى دول العالم المختلفة التى تستورد منها مصر احتياجاتها، مؤكدا أن هناك أيضا متغيرات اقتصادية لا يمكن أن نتجاهلها، حيث نجد أن سعر صرف الجنيه تراجع خلال السنوات ال 15 الأخيرة، وأصبح هذا جزء من التكلفة وجزء من رفع الأسعار، خاصة أن مصر تعتمد فى غذائها على العالم الخارجى أى ما لا يقل عن 70% من الغذاء يتم استيراده من الخارج، فبالتالى ارتفاع أسعار الواردات من السلع الإستراتيجية والحيوية مثل السكر والزيت والشحوم واللحوم والدواجن، حتى الفول والعدس وغيرها من السلع الأساسية التى تمثل عنصرا رئيسيا فى غذاء المواطن المصرى اليومى، فأصبحت هناك متغيرات ترتبط بسعر صرف الدولار أدت بالقطع إلى تضاعف هذه الأسعار، فهذا عنصر، إضافة إلى أن الاحتكار يجب أن يؤخذ فى الاعتبار. ويستطرد غيث كلامه قائلا: أما بعد الثورة توالى انخفاض سعر الصرف وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، حصلت صدمة كبيرة فى سعر صرف الجنيه المصرى بتخفيضه أمام العملات الأجنبية، فكان لابد أن هيكل الأسعار بالنسبة للواردات يتغير ويضاف إلى ذلك أن الصناعة المصرية تعتمد فى آلاتها ومعداتها وقطع غيارها والسلع الوسيطة التى تستخدمها فى العملية الإنتاجية وجزء كبير من المواد الخام المستخدمة فى الإنتاج على الاستيراد من الخارج، فبالتالى المكونات الأساسية للإنتاج الصناعى فى مصر التى تعتمد على الاستيراد أيضا تكلفتها ارتفعت، وهناك عنصر يجب أن يؤخذ فى الاعتبار أيضا، أن تكلفة الطاقة بالنسبة للمصانع والمنشآت ارتفعت بمعدلات واضحة وكبيرة خاصة بالنسبة للكهرباء والغاز الطبيعى وهذا كله أدى إلى تغير هيكل الأسعار الموجود فى مصر، ويؤكد غيث، "المشكلة الأكبر التى ترتبط بارتفاع الأسعار فى الفترة الأخيرة فى مصر، أن هناك ندرة فى مجموعة من السلع الأساسية والحيوية مثل منتجات الطاقة ومنها السولار وأنابيب البوتاجاز وغيرها من المنتجات الأساسية، ونتيجة الندرة هناك سوق سوداء التى تعنى أن هناك بالضرورة أسعار أعلى وهذا مرتبط قطعا بالفوضى الاقتصادية والفوضى الأمنية الموجودة فى المجتمع، كما أنه مرتبط أيضا بعجز الحكومة وعدم قدرتها على إدارة الأمور بكفاءة، وأوضح غيث أن الدولة غائبة عن دورها فى التنظيم وتوفير الاحتياجات الأساسية وهو يعد أيضا عنصرا ضاغطا من عناصر ارتفاع الأسعار فى المرحلة الأخيرة، مؤكدا أن العملية معقدة ومتشابكة ومتعددة الأطراف وإذا استمرت بمعدلها السلبى وتصاعدها الخطير خلال الفترة القادمة وإذا لم يتم حل الأمر بشكل عاجل وسريع، فسوف تؤدى إلى كوارث اقتصادية تصب فى خانة السعر وفوضى فى الأسعار.