مصطلح "الفلول" الذي شاع استخدامه بعد الثورة ، وصار يطلق علي كل من كان له ارتباط بالنظام السابق ، هذا المصطلح أصبح بحاجة إلي ضبط. يعني أن نعرف ما المقصود بالكلمة ؟ وعلي من تنطبق؟ وما هي الآثار الاجتماعية والقانونية والسياسية التي تترتب علي وصف شخص معين بالفلول؟ الدستور الجديد أجاب عن بعض هذه الأسئلة ، وحدد مواصفات معينة للشخصيات التي يجب ان تعزل من العمل السياسي نظراً لارتباطها بشكل مباشر في إفساد الحياة قبل الثورة. لكن تبقي سبة "الفلولية" تلاحق عدداً غير قليل ممن لا يشملهم التعريف الوارد في الدستور ، وينتج عن ذلك اتهامات متبادلة بين كل الأطراف يتهم كل الآخر بأنه "فلول". لا أبحث هنا عن ترف فكري ولا عن تعريفات نظرية ، ولكن أريد أن أصل لحقيقة مفيدة للبلد وللثورة بشأن مسألة "الفلولية" هذه ، وذلك بدلاً من التراشقات اليومية ، وحالة الفوضي في استخدام لفظ لا فائدة من وراءه إلا الفائدة التي يجنيها أعداء الثورة من إشاعة الضغينة والبغضاء ، وبث روح الشك والريبة في نفوس الناس. الإخوان يستعينون بالفلول ، وعصام سلطان صافح ضابطاً في أمن الدولة ، والحزب الفلاني يضم بداخله الفلول ، ومناقشات لا تنتهي والسبب أننا لا نعرف علي وجه الدقة أين تكمن المشكلة بالضبط ، ولا ما هو السبيل لحل عقدة الفلولية حتي تنتهي وتتلاشي ، وتصبح تاريخاً يحكي مع تاريخ الثورة. سؤال: لو أن رجلاً كان علي علاقة وثيقة بالنظام السابق ، بل وكان من المقربين من الرئيس المخلوع ، ثم لما قامت الثورة انحاز لها ، وآمن بأهدافها ومبادئها ، واندمج في العملية الديموقراطية ، واعتذر للشعب، وتبرأ من الماضي ، وتطهر من أوزاره وأخطائه ، ورد الحقوق لأصحابها ما استطاع .. شخص بهذه المواصفات هل يستحق أن يصنف أنه من الفلول؟. سؤال آخر: رجل كان معارضاً للنظام السابق ، وشارك في أول الثورة ، ثم لما استقر الأمر علي غير هواه انقلب علي الديموقراطية ، وبدأ يختلق الحجج للتهرب من استحقاقات الثورة وحقوق الوطن .. هذا يطلق عليه ثوري؟!. الظلم الحقيقي هو أن نلصق تهمة بأحد طوال عمره ونمعن في إقصاءه وعزله، بالرغم من أنه تاب ، واعترف بخطأه ، وذلك لأننا أدمنا ترديد كلمات صماء محفوظة لا لشئ إلا الرغبة في خلط الأوراق ، وحرمان الدولة والمجتمع من مجهودات مواطنيين مصريين فقط لأنهم يحملون لقب "فلول". "الفلولية" ليست صفة لصيقة بصاحبها لا يستطيع أن ينفك منها ، وليست حكماً أبديا لا يقدر أن يتخلص منه. بل بإمكانه أن يندمج في العملية الديموقراطية ، وأن يخدم وطنه ويعوضه عن الأخطاء التي ارتكبها في حقه في الماضي ، طالما أن يديه لم تتلوث بالدماء أو أنه رد الأموال والحقوق إلي أصحابها. كما أن الثورية ليست صكاً لحامله يتصرف بموجبه كما يشاء ، ويمنحه حصانة طوال عمره . يدمر البلد ويعربد وينقلب علي الديموقراطية ، فقط لأنه يظن أنه حصل علي حصانة بسبب أنه شارك في الثورة أو ظهر في لقطة علي التلفزيون وهو يهتف ضد المخلوع. هذه قسمة غير عادلة أن تكون مجرد الألفاظ والصفات وليس المضمون والجوهر هي المعيار الذي يتبع لتصنيف الناس. الموضوع يجب أن يكون واضحاً علي هذا النحو ، لكي لا نواجه باتهامات معلبة ، وقوالب جاهزة من عبارات التخوين تقذف علينا كلما استعنا بأناس من أبناء مصر يطلق عليهم "فلول" في مشروعنا الحضاري ، نحن نستعين بهم في البناء والنهضة ، وهم قبلوا ذلك ، بينما غيرنا يستعين بفلول أيضاً ولكن في الهدم والتخريب والإنقلاب علي الشرعية. أحب أن أذكر بهذه المناسبة الدكتور عصام شرف ، الوزير السابق أيام حسني مبارك والذي ينطبق عليه مصطلح الفلول بمنطق الشكل واللفظ، ولكنه يكتسب فوراً لقب مناضل وثوري إذا ما اعتمدنا قاعدة الانحياز للشرعية ، والسعي لخدمة الوطن كأساس لتصنيف الناس والحكم علي وطنيتهم. وهو الآن يشرف كمستشار علي أهم مشروعات النهضة في تنمية قناة السويس. يتردد أن الدكتورة باكينام الشرقاوي مستشارة الرئيس هي ابنة أحد لواءات أمن الدولة السابقين ، وهي بذلك عند أصحابنا الثوريين مظنة الفساد ، واستعانة النظام الجديد بها في رأيهم جريمة ودليل علي أن الرئيس يقصي الثوار ويقرب الفلول. ما المشكلة في هذا إذا كانت السيدة تعترف بالنظام المنتخب ، وتتفاني في خدمة البلد بالطريق الشرعي؟ وما ذنب الرئيس إذا كان الذين يدعون الثورة ينقلبون الآن علي الديموقراطية بينما بعضاً من شرفاء النظام السابق التحقوا سريعاً بقطار البناء والتنمية. آلاف أمثال عصام شرف وباكينام الشرقاوي كانوا علي علاقة للنظام السابق ، ولديهم رغبة في العيش بكرامة ، والمشاركة في التنمية. لن تقف كلمة "الفلول" عائقاً أمام رغبتهم الصادقة ، ولا ينبغي أن تظل لعنة النظام السابق تلاحقهم للأبد. كافة التطمينات يجب أن تقدم لهؤلاء حتي يساعدوا في بناء الدولة بدلاً من أن تنصرف طاقتهم للهدم ويظلوا ساخطين علي الثورة التي تصر علي أن تنعتهم بلفظ شكلي لن يقدم أو يؤخر. الهدف أن يكون احترام الديموقراطية والمشاركة في التنمية هو المعيار الصحيح لتصنيف الناس ، وليس المصطلحات النظرية والتعريفات سابقة التجهيز. كل مواطن يؤمن بالعملية الديموقراطية ويشترك في مسيرة التنمية له منا التقدير والإحترام والمساعدة علي تجاوز الشبهات التي لحقت به من الماضي حتي لو كان من الفلول ، ومن ظن أن له فضل علي الوطن بحجة أنه اشترك في الثورة ، فلا عزاء له ، وستنهض البلد بدونه وسيلفظه المصريون في النهاية. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]