فى حوار تليفزيوني مع د. وحيد عبد المجيد رئيس مركز الأهرام للترجمة والنشر والخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بالأهرام كان التركيز على مسألة "الإخوان والعنف" وهل هناك احتمال ما – لا يجب إغفاله – بأن الإخوان يمكن أن يستدرجوا إلى العنف؟ جزمت قطعياً بأن هذا الاحتمال بعيد جداً جداً يصل إلى درجة الاستحالة لأسباب عديدة يأتي فى مقدمتها أن منهج الإخوان يعتمد الدعوة والتربية والتزكية للأفراد والإصلاح الشامل للمجتمعات والنصح للحكومات والنضال الدستوري من أجل التغيير وتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات. وكذلك هناك أسباب أخرى أهمها التجارب الإخوانية الفاشلة التي تم مراجعتها بأمانه والحوادث الفردية التي وقعت من بعض الإخوان فى مصر وأدانها الإخوان قيادة ومؤسسات، وانقطاع تلك الحوادث منذ أكثر من 45 سنة كاملة واعتماد الإخوان منذ ذلك الوقت وبحسم عدم الولوج إلى أي طريق يؤدى إلى العنف بل إدانتهم الكاملة لكل حوادث العنف التي وقعت منذ بداية السبعينات من القرن الميلادي المنصرم (القرن العشرين) فى مصر وغيرها وحتى يومنا هذا. ويمكن أن أضيف إلى تلك الأسباب الجوهرية سبباً لا يقل أهمية وهو المراجعات التي قام بها الشباب وقادتهم ممن رفضوا منهج الإخوان المسلمين ابتداء لأسباب نفسية وفكرية وعصبية جهوية وانتهاءً لاستعجال الوصول إلى الهدف الكبير وهو تطبيق الشريعة الإسلامية والحكم بما انزل الله، وقد راجعت تلك الجماعات كالجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد مناهجها الفكرية الداعية إلى العنف كأسلوب انقلابي للوصول إلى سدة الحكم أو اللجوء إلى حرب عصابات لإنهاك النظم الحاكمة بغية إسقاطها ثم الاستيلاء على السلطة أو مهاجمة الأقليات المسيحية أو السياح الأجانب من أجل الضغط على الحكومة والنظام للحصول على بعض المكاسب أو تحقيق بعض المطالب. هذه الجماعات والتي كانت تنافس الإخوان فى جذب الشباب إلى عضويتها، وتمارس نوعاً من الإرهاب الفكري ضد شباب الإخوان حيث يستهوى الشباب دائماً أمر الحماسة والقوة والفتوة والعنف، كما يستهويهم أيضاً الآن الإدعاء ببلوغ مرتبة العلماء والتصدي للفتوى من غير تأهيل ولا علم، لم تكتف تلك الجماعات فقط بمراجعة ممارستها الخاطئة فى شجاعة بل تصدت لأصل القضية وهو السند الفقهي أو الفكري أو الحركي لاتخاذ العنف سبيلاً للوصول إلى هدف نبيل، ويمكن إضافة هذه المراجعات إلى ما سبق أن كتبه مفكرون من الإخوان كالشيخ القرضاوي وغيره والذي أكدّ فى السفر الجليل الأخير له عن "فقه الجهاد" لدحض فكرة العنف الأهلي والتغيير الفوقي للنظم الحاكمة والوقوع فى فخ الفتنة الدموية، ليؤكد فى النهاية أن خيار الإخوان الأصيل بالابتعاد عن العنف كمنهج للتغير واعتماد الإصلاح الاجتماعي بتغيير النفوس والنضال الدستوري عبر المؤسسات الدستورية البرلمانية هو الأحق بالإتباع حيث عاد إليه الجميع تقريباً وكان آخرهم الأستاذ "عبود الزمر" الذى كتب وصيته ونشرتها جريدة الشروق المصرية يومي 13/1، 14/1/2010 وقال إنه عاد عن رأيه السابق فى دخول الإخوان للانتخابات البرلمانية وإنه يؤيد ذلك الخيار حاليا ًعلماً بأن ذلك الخيار قديم جداً للإخوان منذ عام 1939م، وتأكد بوثائق قديمة ومتجددة، واعتمد فى التطبيق العملي فى معظم الدول التي يوجد بها تنظيمات للإخوان المسلمين أيّاً كان اسمها، وثبت نجاحه فى بعض البلاد جزئياً أو كلياً رغم الانسداد السياسي الذى تعانى منه معظم البلاد الإسلامية بسبب الديكتاتورية التي تحميها الجيوش والغطاء الأجنبي لمعظم الحكومات ولكن ذلك الانسداد تسبب فى نمو غير طبيعي للفساد ونهب الثروة الوطنية وتدهور شديد فى الخدمات الأساسية وتوقف شبه تام لجهود التنمية فى كل المجالات مما أدى إلى سخط شعبي عارم يطالب بالتغيير ويؤيد البديل الإسلامي السلمي المعتدل ممثلاً فى الإخوان المسلمين ومدرستهم الفكرية. أضف إلى تلك المقدمات الضرورية أن المناخ العالمي والإقليمي هو مناخ التغيير السلمي عبر صناديق الانتخابات وليس عصر الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية وهناك إنهاك شديد للشعوب بسبب الحروب الأهلية. فى تصور الإخوان المسلمين أنه ليس هناك طريق أخرى تحقق الهدف المنشود: يقول حسن البنا: "إن هذه الطريق مهما طالت فليس هناك غيرها فى بناء النهضات بناء صحيحاً، وقد أثبتت التجربة صحة هذه النظرة، وأن العامل يعمل لأداء الواجب أولاً ثم للأجر الأخروى ثانياً ثم للإفادة ثالثاً، وهو إن عمل فقد أدى الواجب وفاز بثواب الله، ما فى ذلك من شك، متى توفرت شروطه، وبقيت الإفادة وأمرها إلى الله، فقد تأتى فرصة لم تكن فى حسبانه تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات، على حين أنه إذا قعد عن العمل فقد لزمه إثم التقصير، وضاع منه أجر الجهاد، وحُرِم الإفادة قطعاً " ويقول أيضاً للمتعجلين: " ومع هذا فالإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال، فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ". ويتكلم باستفاضة عن الإخوان والقوة والثورة فيقرر إن القوة هي شعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته بل هي شعار المسلم حتى فى دعائه الذى هو مظهر الخشوع والمسكنة ثم يقول بوضوح. " ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصون إلى أعماقها، ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها ويراد بها، فهم يعلمون أن أول درجات القوة قوة العقيدة والإيمان ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح ". ويضيف " ونظرة أخرى: هل أوصى الإسلام – و القوة شعاره – باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال، أم حدد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً، ووجّه القوة توجيهاً محدوداً. ونظرة ثالثة: هل تكون القوة أول علاج، أم أن آخر الدواء الكىّ؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف، أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون ؟ " إذن طريق الإخوان معروفة، سلمية دستورية، علنية وسطية، تعمل وفق القانون الإلهي الثابت . { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد: من الآية11) وهنا يرد تساؤل الصديق د. وحيد عبد المجيد: أليس من المتوقع أن ينزلق الإخوان إلى العنف اضطراراً وليس اختياراً كما حدث فى سوريا مثلاً ؟ أقول: إن تجربة سوريا لا يجوز القياس عليها خاصة أنها لم تتكرر فى أي مكان آخر وأيضاً لأن مراجعتها تمت فى مؤسسات الإخوان ولولا تدخل الأجهزة الأمنية لحدثت مصالحة بين الإخوان السوريين وبين النظام السوري منذ نهاية الثمانينيات. وتجربة سوريا لم تكن اضطراراً بالمعنى الواضح ولكنها كانت استدراجاً من مجموعات صغيرة "الطليعة المقاتلة" وفى ظروف وبيئة إقليمية وعالمية مغايرة تماماً وانضم إلى ما سُمى وقتها "الثورة الإسلامية" شيوعيون وقوميون ومستقلون ومعارضون للنظام السوري أملاً فى تغيير فوقى له أو هبّة شعبية ضده، وهى تحتاج إلى بحث مستقل تماماً ولا تكفى فيها تلك الكلمات السريعة إلا أنني أضيف هنا للأهمية: أنه لا توجد لا نية ولا استعداد، ولا قدرة على ذلك وسط العمل العلني الواسع الانتشار والمتابعة الأمنية الشديدة التي اعتقلت خلال 15 سنة قرابة 30 ألفاً من الإخوان لم تجد لديهم لا وثيقة ولا ورقة ولا أدوات ولا أفكار أو حتى أحلام يمكن استخلاصها تحت التعذيب بأن هناك اتجاه إلى العنف. وقد لجأ بعض المحامين المنتدبين فى المحاكم العسكرية للإخوان لنفى تهمة العنف والإرهاب فما كان من الضابط رئيس هيئة المحكمة (المجلس العسكري) إلا أن تدخل بحسم ليقول للمحامى المنتدب: ليس هناك فى الأوراق تهم بالعنف أو الإرهاب. ويتساءل د. وحيد مع آخرين: أليس من الممكن فى ظل عدم جدوى المشاركة السياسية والانسداد السياسي والإقصاء الدستوري أن يلجأ الإخوان إلى العنف ؟ وأجيب باختصار أرجوا ألا يكون غير مخلّ : إن جدوى مشاركة الإخوان فى العمل السياسي يجب أن يتم قياسها وفق خطتهم هم وليس استراتيجيات غيرهم، ووفق الأهداف التي حددوها هم وليس أهدافنا فى ذهن غيرهم وإن خالفت المستقر فى العلوم السياسية التي تجعل الهدف الرئيسي والنهائي للمشاركة السياسية هو الوصول إلى تداول السلطة وتبؤ الحكم. لذلك يجعل الإخوان لمشاركتهم السياسية فى ظل الانسداد السياسي واحتكار السلطة أهدافاً جزئية وفرعية، مع العمل المتواصل والدءوب لتحقيق إصلاح شامل يبدأ بإصلاح دستوري وسياسي تتضافر عليه جهود كل القوى السياسية ويؤيده ويشارك فيه الشعب كله بكل فئاته حتى يتحقق الهدف الأصيل للانتخابات وهو تداول السلطة سلميا. من هذه الأهداف: 1) تثبيت منهج الإخوان السلمي فى نفوس الإخوان والشعب. 2) تدريب الإخوان والنواب على العمل السياسي والمجتمعي. 3) تقديم الخدمات للشعب عبر النواب ومكاتبهم وتشجيع العمل الأهلي. 4) مقاومة الفساد عن طريق الرقابة النزيهة على أداء الحكومة والوزراء والمسئولين فى كافة المواقع. 5) رفع المظالم عن الناس والتحقيق فى شكاواهم. 6) تفعيل الدور الدستوري للبرلمان وخاصة التشريعي والإعداد الجيد لمشروعات قوانين فى كافة المجالات إعذاراً إلى الله بالعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية. 7) إعداد رجال دولة قادرين على فهم السياسات العامة والعلاقات الدولية وتقديم البدائل وطرح البرامج فى كافة أنشطة الحياة. هل هناك جدوى من المشاركة ؟ القادرون على الإجابة على ذلك، هم الإخوان أنفسهم وفق أهدافهم، ولعل الجواب وصل للجميع من خلال إصرار الإخوان على المشاركة باستمرار رغم الحصار والتعب والإجهاد ورغم كل محاولات الإبعاد والإقصاء. إذن وكما قلت فى البداية لا يمكن أن يلجأ الإخوان إلى العنف وعلى من يردد ذلك أن يراجع نفسه وأفكاره. عضو مكتب الإرشاد