في مساء الثلاثين من إبريل 2013 القادم، سيغادر وفد أكاديمي مكون من 23 عالمًا مصريًا، أحدهم كاتب المقال، القاهرة متجهًا إلى كمبالا في رحلة علمية لزيارة منابع النيل الأوغندية، هذا الوفد يضم علماءً من كافة التخصصات، في التاريخ والجغرافيا والسياسة واللغات والإنثروبولوجيا والموارد الطبيعية، يسافر على نفقة جامعة القاهرة، في رحلة علمية وترفيهية حول بحيرتي ألبرت وفيكتوريا، جنة الله القابعة فوق خط الاستواء، على حد تعبير الرحالة الأوروبيين، لهذا فإن الرحلة ليست سهلة وعادية كبقية الرحلات، حيث تتطلب إجراءات صحية ومعيشية تسبق الرحلة وخلالها وبعدها، وتأتي في إطار الدبلوماسية غير الرسمية، في شكلها التكنوقراطي، فبعد الدور الذي لعبته الدبلوماسية الشعبية عقب نجاح ثورة 25 يناير 2011، واهتمامها بدول حوض النيل بصفة خاصة، تأتي هذه الرحلة ليسعى الخبراء والمتخصصون سعيهم، ويقدموا جهدهم، استكمالًا للجهود الرسمية المبذولة حكوميًا في التغلب على أي مشكلات تواجه مصر في منابعها النيلية الدائمة. الرحلة إلى منابع النيل الأوغندية تذكرنا بالرحلات التي قام بها أجدادنا المصريون في الماضي لتلك المنطقة. تذكرنا بعلاقاتنا مع مملكة بوجنده الشهيرة في القرن التاسع عشر. فتذكرنا بأشهر ملوكها الكاباكا موتيسا، وكيف أسلم، وأقام صلات جيدة مع مصر في عهد الخديوي إسماعيل، ولعل المراسلات بين الرجلين، والتي كان الأوروبيون، أمثال غردون وصمويل بيكر وأمين باشا، يقرون فيها بالدور الذي لعبته مصر في إسلامه، وخشيتهم من تصعيد المشروع الإسلامي حول البحيرات، تكشف البدايات الأولى في العلاقات بين البلدين في العصر الحديث، فكانت الخشية الغربية ناتجة من جراء مطالبة الكاباكا للإدارة المصرية، بإرسال علماء لتعليم شعبه مبادئ الدين الإسلامي، وقيام الخديوي بإيفاد عدد من الشيوخ الأزهريين لمملكته، واستقبال الإدارة المصرية لعشرين طالبًا من بوجنده، للدراسة في الأزهر. ولعل خطاب الخديوي إسماعيل للملك أمتيسا يهنئه باعتناقه للإسلام، والوارد في دفتر جهات سايرة في الأول من سبتمبر 1874، والسيطرة المصرية على شمال أوغندا بعد استعانة ممالكها الصريحة بها سنة 1869، وتأثير القوات المصرية بقيادة أمين باشا منذ سنة 1885 في لباس الأهالي، وفي الأنظمة الثقافية المحلية، تثبت لنا هذا التاريخ الطويل من العلاقات المصرية العميقة والممتدة بمنابع النيل الأوغندية، فتفاصيل كشوف الرحالة ستانلي في بحيرة فيكتوريا، كانت تُرسل إلى مصر قبل أن تذهب إلى أوروبا، حيث وردت عن طريق عبد العزيز لينان، أحد أفراد الحملة المصرية على المنطقة الاستوائية، حين قام بإرسال المعلومات التي استقاها من ستانلي عن بركة فيكتوريا، وأنها متسعة وبها جزائر كثيرة، بل أرسِلت خريطة بحر أريت ( ألبرت ) إليها سنة 1876. بل كانت مجمل الكشوف الجغرافية في منابع النيل في تلك الفترة، تصب في صالح مصر، ولعل الولاء الذي قدمه الملك كابريجا، ملك منطقة الأونيورو شرق بحيرة ألبرت، للحكم المصري في 14 مايو 1872، وتكوين مديرية خط الاستواء المصرية، وتغيير اسم بحيرة كيوجا لبحيرة إبراهيم باشا (والد الخديوي إسماعيل)، وإقامة علاقات تجارية مع بوجندا واستيراد العاج منها، يثبت أن مصر هي التي قدمت اللبنات الأولى والأهم في تدشين العلاقات مع منابع النيل الأوغندية. وأن قيادة الأجانب للقوات المنفذة للمشروع المصري هناك، هي التي حالت دون استكمال خططها سنة 1887. الرحلة لمنابع النيل الأوغندية تفرض علينا أيضًا، أن نستقرأ تجربة أزهري بوغندي، أرسل عشرات الرسائل والمكاتبات للسلطات المصرية بمختلف أقسامها، سجل فيها رغبته، ورغبة الشعب الأوغندي، ورغبة التنظيم السياسي المنتمي إليه في الفترة من 1949-1952، في ضم بلده لمملكة وادي النيل تحت عرش المملكة المصرية، فقصة إدريس بن عامر البوغندي، تلك القصة التي يحتفظ بها الأرشيف المصري، كشاهد إثبات على تفاعلات وادي النيل في نهاية عهد الملك فاروق، ترصد لنا قصة شاب بوغندي التقط، ببديهته أو بتوجيه من غيره، أشهر القضايا المطروحة على الساحة السياسية المصرية في ذلك الوقت، وحدة وادى النيل، ولعب عليها بمهارة واقتدار، لدرجة أجبرت الإدارة السياسية بوزارة الخارجية المصرية، لأن تفتح ملفًا مخصوصًا لرغبة أوغندا بالاتحاد مع مصر، فكتابات الرجل ومراسلاته قد كشفت لنا هذا الدور المجهول الذى لعبته مصر، قبل ثورة 23 يوليو 1952، في مساندة قضية التحرر الأوغندية منذ بداياتها، فأوضحت بأن هذه المساندة لم ترتبط، كما يعتقد البعض، بالدور الذي لعبته ثورة يوليو فيما بعد، ومن ثم فإن رحلتنا العلمية متجهه لبلد، لنا معه تاريخ طويل من العلاقات والصلات، وينتظرنا فيه مستقبل واعد من التنمية لكافة المشروعات النيلية والاقتصادية والثقافية. ومن ثم، فإن رحلتنا لمنابع النيل الأوغندية يهمها فى المقام الأول، أن تختفي راية الصراع على المياه في كل جوانب الحوض، وأن تظل مياه النيل، تلك التي أتاحها الله عذبة رقراقة، تجرى متدفقة لجميع أبناء الوادي، دون جهد أو كد أو عناء، لهذا نتمنى لرحلتنا كل السلامة في الذهاب وفي العودة، وأن تُكلل جهودها العلمية، ومقابلاتها مع المسئولين والفنين والمعنيين الأوغنديين بملف المياه والعلاقات، بكل التوفيق والسداد، حفظ الله الوطن ورعاه من كل سوء. د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة.