كشفت النسبة المؤيدة في عمومية جمعية (وعد) للمشاركة في انتخابات البحرين 2010 الأسبوع الماضي عن مجموعة من المؤشرات التي لابد من الوقوف عندها. فالنسبة كانت حوالي النصف بقليل (56% من مجموع أعضاء الجمعية). مما يعكس حالة من التردد والانشطار داخل الجمعية، التي ورثت حركات اليسار الستيني والسبعيني لكنها لم تستطع حتى الآن، رغم خبرتها التنظيمية والسياسية الطويلة، من استيعاب التحولات التي يمور بها مجتمع البحرين منذ بداية الألفية الجديدة. كما ما زالت الحركة في حالة من التخبط في التعاطي مع واقع فرضه المشروع الإصلاحي لجلالة ملك البحرين والقائم على الانفتاح ورفع سقف الحريات. تُحيلنا هذه القراءة إلى السلوك المستغرب وغير المفهوم لنهج الحركة. فهي تريد أن تقدم نفسها وجهاً ليبرالياً لمناهضة التشظي الطائفي الذي يبدو حاضراً وبقوة في المشهد السياسي البحريني، لكنها تتحالف مع جمعية الوفاق الشيعية ضد تحالف الجمعيات السنية في 2006. وتريد وعد أن تقدم نفسها معارضة للنظام، لكنها توقع نفسها في مطبات سياسية في مناهضة كل ما هو حكومي، حتى ولو كان في مصلحة المواطن. وتريد أخيراً، أن تقنع الناخب البحريني بأنها الجامعة الوطنية القادرة على توحيد أطياف الشعب تحت لواء العمل الديمقراطي الموحد، لكنها لا تستطيع أن تحافظ على كيانها الداخلي من التشرذم نتيجة الانشقاقات التي ولّدت جمعيات يسارية أصغر حجماً، أو في خروج قيادات مؤثرة في الحركة لإنشاء تجمعات منافسة كحالة عبد الله هاشم في المحرق. ومن تحليل مضمون النشر الذي تمارسه الحركة يلاحظ المراقب ولعاً شديداً بالماضي الذي قدمته كوادر الحركة من نفي وسجن وتعذيب في سجون السلطة في عقود الصدام. هذا الولع الذي تريد الحركة استثماره كمقابل لصالح تجربتها وسمعتها أمام المواطنين. ومن قراءة أدبيات الحركة الفكرية والسياسية يلاحظ رفض مستمر للمشروع الإصلاحي بالرغم من كثرة إيجابياته، ومن المعارضة لمجرد المعارضة، ومن تشكيك غير مبرر لنجاح التجربة الديمقراطية في تفعيل المشاركة الشعبية السياسية. مضمون هذه الرسائل الإعلامية وعدم تبديل الخطاب السياسي جعل من وعد غائبة عن مراكز اتخاذ القرار، ومن غياب عن الفعل السياسي المؤثر. وبالنتيجة جاء التصويت في عمومية وعد الأسبوع الماضي حول المشاركة من عدمها في الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر 2010 طبيعياً ومنسجماً مع السلوك السياسي للجمعية الذي عنوانه "التراجع". وإذا ما جرى تذكر الانهيارات السياسية الكبرى في مسيرة اليسار البحريني الممثل في حركة وعد، فإن ما ينتظر الحركة في الانتخابات القادمة سيكون مصيرياً لبقاء الحركة نفسها. فمعلوم أنها قاطعت المشاركة في أول انتخابات تشريعية في 2002 . ففوتت على نفسها فرصة تاريخية لصالح القوى السياسية المنافسة. وهذا خطأ فادح لم تعوضه نشاطات الحركة في ساحة الحراك السياسي. وعندما جاءت انتخابات 2006 ، فضلت خيار المشاركة تحت عباءة الوفاق الشيعية التي أطمعتها مقلباً فاضحاً، وذلك حينما دفعتها للمنافسة في معاقل الاسلاميين السنة واحتفظت الوفاق بدوائرها المضمونة لمرشحيها. الأمر الذي جعل وعد في بؤرة المحرقة أمام الإسلاميين الذين استفزهم تحالف (وعد - الوفاق). في حين راحت الوفاق تضحك من الأعماق على وضع حليفتها وعد التي لم يفز أحد من مرشحيها. في ذات السياق، يتذكر المواطن ما ردده قائد التيار إبراهيم شريف في المقابلة الشهيرة بتلفزيون البحرين ضد نظام الحكم، وأثبت تخلف الفكر السياسي لدى الجمعية. مما كلف الجمعية ثمناً سياسياً كبيراً دون مقابل. وعودة على سؤال العنوان، هل من المهم أن تشارك وعد في انتخابات 2010؟ الجواب يفرضه تعامل الجمعية مع واقع انتخابي أصبح أكثر تعقيداً من ذي قبل. ليس لوعد وحدها، وإنما لجميع القوى. فالمواطن البحريني أصبح، بطبيعة الحال، أكثر وعياً من دغدغة مشاعره بتضحيات الماضي فيما هو يواجه حاضراً أكثر صعوبة من ذي قبل. وعد تحتاج لحملة تسويق سياسي ضخمة لتعديل صورتها أولاً، ثم لإقناع الناخب بصوابية خطابها السياسي. ويبقى وضع وعد خارج برلمان البحرين غير طبيعياً لحركة امتد وجودها في الوعي الجماهيري أكثر من خمسة عقود أو يزيد. هل تكفي عشرة أشهر لذلك؟ لست أدري!! * أكاديمي بحريني [email protected]