انقلبت المواسم الاحتفالية الإيرانية بعد انتخابات يونيو الماضي إلى عروض للغضب. فيوم القدس ويوم الطالب ويوم اقتحام السفارة الأمريكية، وأخيراً يوم عاشوراء كلها أصبحت بعد ذلك التاريخ أيام اضطراب في حياة النظام والشعب الإيرانيين على السواء. من بعد أن كانت هذه المناسبات السنوية موسماً لاستعراض صلابة النظام وتماسكه من خلال عروض القوة العسكرية والسياسية والدعائية أمام جماهير الشعب، والتي كانت تردد شعاراً واحداً "الموت لأمريكا". وقد زاد رحيل آية الله علي منتظري، نائب ورفيق الخميني التاريخي، الشهر الماضي شعلة الاضطرابات لرمزية الرجل وموقفه الواضح من شرعية القيادة الإيرانية الحالية. ثمة مناسبة قادمة ستكون منتظرة على أحر من الجمر، ينتظرها كلا الطرفين، النظام والقوى الإصلاحية المعارضة.. وهي احتفالات قيام الثورة في فبراير القادم، التي تتزامن مع انتصار ثورة الخميني في 1979. والسؤال القلق هو: ما نوعية الخطاب الذي ستطرحه القيادة الإيرانية على شعبها في هذه المناسبة؟ وماذا ستعد المعارضة لذلك اليوم المشهود؟ هنا سيلحظ المتابع أمراً آخر، ربما وعت القيادة الإيراينة لتأثيره منذ بداية الأحداث، وهي الصورة المنقولة للعالم عما يحدث بالداخل. فالمُشاهد الخارجي يرى نقاء صور التأييد الشعبي لقطبي النظام خامنئي – نجاد. وللأمانة، هنالك اختيار دقيق للمشاهد التلفزيونية المصورة لإظهار الأمور وكأنها تحت السيطرة. وأن الاحتجاجات الشعبية ما هي إلا أعمال فوضوية من شرذمة قليلة مرتبطة بالخارج تكره الثورة والنظام. بينما في الصورة الأخرى التي ينقلها الهواة عبر كاميرات الهواتف النقالة وبالانترنت هناك عالم آخر من المواجهات العنيفة، والقسوة المبالغ فيها في ضرب المحتجين في الشوارع رجالاً ونساءً وبالقوة الخام. حيث علقت صورة الشابة ندا سلطان وهي تحتضر في ذهن الرأي العام العالمي. وصارت رمزاً لقسوة النظام ضد شعبه. وبهذا صارت الصور التي ينقلها الإعلام الرسمي الإيراني مشوبة بالشك وفاقدة للمصداقية. بينما أصبح ما ينقله المواطن العادي أكثر مصداقية وواقعية. وقد لا يفوت المراقب ما تنقله حتى القنوات الفضائية (المحايدة نسبياً من أحداث إيران) كالجزيرة والبي بي سي وحتى الحرة الأمريكية، من أن هناك تقييداً واضحاً لما ينقله مراسلو هذه القنوات من طهران، من التزام واضح بتعليمات تعرض وجهة النظر الرسمية في الأحداث. وبهذا فقد النظام الإيراني معركة الصورة الإعلامية، وبالتالي فشل في إدارة المعركة إعلامياً في حدث بات يهز مستقبل النظام بشكل جدي ومصيري. الأزمة الإيرانية ما عادت خلافاً بين قوتين متصارعتين داخل نظام واحد. لقد فات أوان احتواء الخلاف منذ حسم مرشد النظام خامنئي موقفه بدعم نجاد على حساب مير موسوي. الأمر الذي جعل رؤوس النظام الأخرى (رفسنجاني – خاتمي - كروبي) تنظم تلقائياً إلى صف موسوي، ويكوّنوا من حيث لا يشعرون جبهة قوية لا يمكن للنظام استئصالها أو إخماد صوتها، لمكانة هذه الشخصيات في رأس السلطة وفي تاريخ الثورة سابقاً وحالياً. الانقسام الحاد َضرب حتى مناسبات الوحدة الوطنية المذكورة آنفاً. وصار هنالك شعاران للشارع الإيراني، الشعار الرسمي " الموت لأمريكا" والشعار الشعبي "الموت للديكتاتور". بل إن صور القادة الحاليين صارت تُداس بالأقدام في المسيرات الشعبية كما نقله تصوير بالهاتف النقال، من بعد أن كانت تُرفع على الرؤوس في كل المناسبات. وهذا بحد ذاته بيان لانفصال الشعور الشعبي عن وجهة النظام وشعاراته ورموزه وخطابه التعبوي. المظاهرات الشعبية في الوعي الإيراني الجمعي والرسمي لها تأثيرها القوي في ثقافة الثورة الإيرانية. فالثورة نفسها بدأت بنفس الأداة. ولهذا نرى تشنج قوات الأمن الإيرانية وهي تنقض على المتظاهرين بكل قسوة. فمنظر هذه الاحتجاجات هي نفسها التي قلبت الوضع على الشاه وجعلته طريد العواصم. وهذا مصير مؤرق لقيادة النظام الإيراني الحالي. عاشوراء إيران كان مختلفاً هذا العام وحزيناً، ليس بسبب نكبة آل البيت في كربلاء، وإنما صارت المناسبة منقلبة الأدوار. فالثورة الإيرانية جاءت لنصرة "المستضعفين في الأرض" من أتباع الحسين!! لكنها في عاشوراء إيران صارت ضد المستضعفين أنفسهم. فأخذت الثورة دور السلطة الظالمة. وأخذ الشعب دور المستضعفين، دور الإمام الحسين إذ يسقط شهيداً وهو يروم الحرية والكرامة. عاشوراء إيران سيستمر دماً دون توقف. * أكاديمي بحريني