حكم محكمة الاستئناف فيما يخص النائب العام يمثل في بعض جوانبه فرصة إيجابية للرئيس مرسي أن يخفف الاحتقان ويعيد تصحيح العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، ويبعث برسالة اطمئنان إلى الجماعة القضائية بأنه يحترم استقلال القضاء وفي نفس الوقت يبعث برسالة اطمئنان إلى كل القوى السياسية بأنه يترك اختيار النائب العام للقضاة أنفسهم من خلال مجلس القضاء الأعلى للتأكيد على أن السلطة التنفيذية لم تقصد ولن تقصد الهيمنة على هذا المنصب القضائي الخطير أو جعله أداة بيدها ضد خصومها كما كان يفعل الرئيس المخلوع، والحقيقة أن قرار اختيار المستشار طلعت عبد الله جاء بطريقة سببت استفزازًا لا يمكن تجاهل آثاره عند السلطة القضائية، حتى أن نائب الرئيس وقتها المستشار محمود مكي تنصل منه ورفضه، ووزير العدل المستشار أحمد مكي أيضًا قال إنه لا يتحمل مسؤولية هذا القرار، ليس فقط لأنه هدم قاعدة قضائية تؤكد أن النائب العام لا يعزل بقرار سياسي، وإنما لأنه صدر بطريقة مهينة للغاية للقضاة وفيها ما يشبه احتقارًا لمكانتهم وسحقًا لسلطتهم وإهدارًا لهيبتهم، لقد كان الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي في 21 نوفمبر الماضي مدهشًا جدًا في عنفه وخشونته واستعلائه، ومن الواضح أن من أعدوه للرئيس لم يملكوا أي خبرة أو حصافة أو حكمة أو احتراف تشريعي، لا يمكن لأي حاكم في العالم كله أن يصدر خمسة قرارات أو ستة قرارات من رأسه ثم يقول للشعب إن هذه القرارات هي دستور مؤقت على الدولة والشعب وجميع السلطات احترامه والعمل به ولن أسمح لأي شخص أو قانون أو محكمة أو مؤسسة أو سلطة أن تراجعه أو تطعن عليه أو تلغيه، هذا كلام صعب احتماله، كما أنه أساء كثيرًا إلى صورة الرئيس مرسي، لأن مبارك نفسه لم يكن يجرؤ على أن يفعل ذلك بمثل هذه الفجاجة، وبشكل خاص فإن السلطة القضائية كانت معنية أكثر بهذا الإعلان لأنه موجه لها بالأساس، لمنعها من قبول أي طعن على تعيين النائب العام أو شرعية مجلس الشورى بشكل خاص، فكان أن أتت محكمة الاستئناف في حكمها الأخير لكي تقول إن ما قاله الرئيس يوم 21 نوفمبر هو مجرد قرارات سياسية لا صلة لها بالدستور، وأن تسميتها بإعلان دستوري هو أمر يخص الرئيس وحده، وبالتالي قضت ببطلان قراراته فيما يتعلق بقضية النائب العام، غير أن الأكثر خطورة في هذا الحكم أنه يفتح الباب أمام إسقاط الأساس الذي بني عليه تنصيب النائب العام وهو صحة وصف قرارات الرئيس بأنها دستور، وهذا يعني كما رصدته جهات قانونية أن الباب أصبح مفتوحًا لإسقاط كل ما اشتمل عليه إعلان 21 نوفمبر، وبشكل خاص شرعية مجلس الشورى، والذي يفترض أن تقضي فيه المحكمة الدستورية بعد أسابيع أو أشهر، والغالب الأعم أنها ستقضي ببطلانه، لأن نفس القانون الذي جرت به انتخابات الشورى هو نفسه القانون الذي جرت به انتخابات مجلس الشعب والذي قضت المحكمة بأنه قانون غير دستوري، وعندها سندخل في ورطة جديدة وجدل بيزنطي عن البيضة والدجاجة وهل الدستور حصن الشورى أم أن ما بني على باطل هو باطل وغير قابل للتحصين، ويظل الغموض وغياب اليقين هو سيد المشهد في مصر بكل ما لذلك من أخطار. مع الأسف، محاولة تجاهل ذلك الإرث الكئيب من تطاحن سلطات الدولة وتحرشها ببعضها البعض وتنازع الشرعيات واستخدام العناد وركوب الرأس سيدمر بلادنا ويجعلنا في لعبة أشبه بلعبة السلم والثعبان، فجأة تجد نفسك بعد أن وصلت إلى مرحلة عالية وبنيت آمالًا كبيرة تعود إلى الهاوية وإلى نقطة الصفر وينهدم كل ما بنيته، وإذا كنا نلوم بعض القضاة ومواقفهم، فإننا بمنطق العدل والأمانة لا يمكننا إنكار أن مؤسسة الرئاسة ومستشاري السوء ورطوا الرئيس في قرارات "غشيمة" وإجراءات غير مدروسة وغير محسوب عواقبها فكانوا وكان سببًا رئيسيًا في تلك الأزمة والمتاهة والإحباطات المتوالية وإعاقة عملية إعادة بناء الدولة وأمنها واقتصادها ومؤسساتها. [email protected]