في رسالته الأسبوعية قال الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين: إن الواقع في دول الربيع العربي يحتاج من جميع أبناء الوطن أن يأخذوا خطوة جادَّة من أجل إصلاح الوطن، والقضاء على الفساد المتراكم من عقود، وليس ذلك بالأمر الهيِّن، خاصة أن إصلاح النفوس التي تربَّت على قيم ومبادئ لا تُقرُّها الأديان ولا تسمح بها الديمقراطية الصحيحة، والتي تضمَّنها الإعلان العالمي حول الديمقراطية، وأقرَّها مجلس الاتحاد البرلماني الدولي في (القاهرة: سبتمبر 1997م) والذي جاء فيه: "تهدف الديمقراطية أساسًا إلى صون وتعزيز كرامة الفرد وحقوقه الأساسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية الجماعية، وتأمين تماسك المجتمع وتلاحمه، وتوطيد الاستقرار الوطني والسلام الاجتماعي، فضلاً عن تهيئة المناخ المناسب لإرساء دعائم السلام الدولي". وأضاف بديع رغم أن مرجعيتنا إسلامية، ومنها نوقن بأن فيها من القيم والأخلاق ما يحفظ للبشرية الأمن والسلام والعدل والمساواة والكرامة، ومع إيماننا الراسخ بأن الله عز وجل أنزل هذه الشريعة لنشر الخير وتعميمه، وقمع الشرِّ وتحجيمه، ومع كل الذي ندين به، إلا أننا أردنا أن نبين للناس جميعًا أن ما يتغنى به البعض من نظم من وضع البشر ويقدمونها للناس على أنها طريق الخلاص والإصلاح، أنهم لا يقبلون بها إلا إذا حققت لهم مصالحهم وأتت بهم، وإن لم تُحقِّق لهم مصالحهم أثاروا حولها الغبار، وأطلقوا في وجهها الدخان ظنًّا منهم -وخاب ظنهم- أن ذلك يحجب الحق أو يُشوِّه صورته، لكنهم في كل مرة يرجعون بخُفَّيْ حُنَين، حيث يزداد الحق نصاعة وظهورًا، وتصير أعمالهم هباءً منثورًا: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ)(الرعد: 17)، ودائمًا لا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله. وأضاف د. محمد بديع أن منطلق الإصلاح، لا يمكن أن يؤتي ثماره، ولا أن يحقق هدفه، إلا إذا كان مستمدًّا من وحي السماء؛ لأن الله خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه وما يفسده: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(الملك:14)، وإن المنهج الذي نزل من الحق ويهدي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ورائه قومه، ويرشدهم إلى خطوات المنهج خطوة خطوة، كل خطوة في وقتها المناسب، ويؤيدهم في كل ذلك بنصره، فتكون النَّهضة موفَّقة لا محالة (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)(المجادلة: 21)، ومن أين يأتي الخطأ إذا كان واضع المنهج هو العليم الخبير، ومُنفِّذه معصوم من الزلل محفوظ من الخطأ، مؤيد بالتوفيق والنصر، ومن هنا كانت النبوَّات رحمةً للعالمين؟. وأضاف: لقد أخرج الله لهذا المنهج أمة من أقوى الأمم وأفضلها وأرحمها وأبرَّها وأبركها على الإنسانية جميعًا؛ وله من قدسيَّته واستقراره في نفوس الناس ما يسهِّل على الجميع تناوله وفقهه والاستجابة له والسير عليه متى وُجِّهوا إليه، فضلا عن الاعتزاز بالقومية والإشادة بالوطنية الخالصة؛ إذ إننا نبني حياتنا على قواعدنا وأصولنا ولا نأخذ عن غيرنا، إلا ما هو من الحكمة التي هي ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها، وفي ذلك أفضل معاني الاستقلال الاجتماعي والحيوي بعد الاستقلال السياسي، وإن في السير على هذا المنهاج تقوية للوحدة الوطنية ثم للوحدة العربية، ثم للوحدة الإسلامية ثانيًا، فيمدُّنا العالم الإسلامي كله بروحه وشعوره وعطفه وتأييده، ويرى فينا إخوة يُنْجِدُهم وينجدونه ويمدُّهم ويمدونه، وفي ذلك دعم كبير وقوة لا تقهر بإذن الله تعالى. وأكد المرشد العام للإخوان المسلمين أننا لو سلكنا هذا السبيل لاستطعنا أن نحلَّ كثيرًا من المشكلات المعقدة التي عجزت عن حلِّها كل النظم الحالية، ونذكر هنا كلمة جورج برنارد شو: (ما أشدّ حاجة العالم في عصره الحديث إلى رجل كمحمد يحلّ مشكلته القائمة المعقَّدة بينما يتناول فنجان القهوة). وأضاف الدكتور محمد بديع: إن ما تعيشه كثير من الدول الإسلامية تقتضي من أبناء هذه الدول أن يضعوا لأنفسهم ثوابت خُلُقيَّة يلتزمون بها، وهم يعملون لرفعة أمتهم وارتقاء دولتهم ومن هذه الأخلاق: أولا الصدق: فإن الصدق من أمهات الأخلاق التي يجب أن نصبغ به حياتنا، ونُربِّي عليه أبناءنا؛ لأنه سبيلنا إلى كل خير نافع وإلى البرِّ الجامع، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا». ومن أجل ذلك نهيب بوسائل الإعلام أن تتقي الله سبحانه، وأن تتأكد من مصادرها؛ لأن بعضها لا ينقل أخبارًا عن الصادقين، وعليها ألا تتلمَّس للبرآء العَيْب، وأن تعلم أنها تتحمل الوزر الأكبر في ذلك، وتتحمل كل ما يترتب على نقل الكذب والإشاعات المغرضة من أضرار للأفراد أو المؤسسات والأحزاب والهيئات والوطن، وإن لم تحاسب عليها في الدنيا فلن تفلت من الحساب عليها في الآخرة. ثانيًا التعاون والتساند: حيث إن النهوض بالأمة لا يمكن أن يحققه أي فصيل بمفرده، ولكن لابد من تعاون جميع أبناء الدولة، فالأمة تحتاج لجهود المسلم والمسيحي والرجل والمرأة والشاب والشيخ.. وهذا التعاون شعاره قول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة:2). إن الواجب علينا أن نتعاون على البناء والتعمير، وعلى العمل والإنتاج، وفي نفس الوقت ننبذ من بيننا من يُخرِّب أو يُدمِّر أو يحرق أو يُعطِّل الإنتاج أو ينشر الفساد.. وهذا ما يجعلنا أهلا لأن نكون خير أمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(آل عمران: 110). ثالثًا التَّراحُم والتَّعاطُف والمودَّة: فإن دعوة الآخرين للخير وتحذيرهم من الشرِّ يجب أن ينبعث من رحمتنا بالآخرين والتعاطف معهم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى منه عُضْو تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى». رابعًا الرِّفْق واللين: فإن التعامل في لين، والرفق بالآخرين خاصة مع المخطئين يُقرِّب البعيد ويُؤلِّف النافر، ويجمع القلوب قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(آل عمران: 159)، كدرسٍ للأمة كلها مع من كانوا سببًا في هزيمة أحد، وكان هذا التوجيه الربَّاني لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا عُزِلَ عَنْهُ إِلَّا شَانَهُ". خامسًا القول الحسن: حين يتحاور أبناء الوطن فيما يُصْلِح أمرهم وبلدهم يجب أن يتخيَّروا أحسن الكلمات؛ حتى نغلق أبواب الشياطين التي تأخذ الكلمات وتحملها ما لا تحتمله وتنفخ فيها بما ليس فيها، خاصة في ظلِّ أبواق الفضائيات التي أضحت لا همَّ لها إلا كتمان الخير ونشر الفساد والشر، وقد أمرنا ديننا بالقول الحسن، قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)(الإسراء: 53)، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان يَئِس أن يُعْبَد في أرضكم، ولكن رَضِي في التحريش بينكم"، وفي رواية "فيما تحقرُنّ من أعمالكم". والقول الحسن يقتضي أن نبتعد عن السخرية من الآخرين أو الاستهزاء بهم أو غيبتهم، أو السعي بالنميمة للإيقاع بين الأفراد أو الفصائل أو الأحزاب، مما يُحوِّل الساحة إلى سوق للتراشق وميدان للعداوة والبغضاء والشحناء، وبالتالي لا نجد وقتًا للعمل المثمر البناء. سادسًا المبادرة بالأعمال التي تخدم الوطن: إن من أشدِّ الآفات الآن أن الساحة تحوَّلت إلى ميدان للأقوال حتى اسمها يدل عليها (مَكْلَمَة) وسوق رائجة للكلام، الضارّ منه أكثر من النافع، ومن أجل ذلك يجب على العقلاء أن يعملوا ما ينفع وطنهم، ويحل مشاكلهم، ولا يكتفي بإلقاء اللائمة على غيره، وليكن شعار الجميع العمل في صمت، وأن نطلع الله تعالى لا الناس على أعمالنا بأن تكون خالصة بعيدة عن الرِّياء والسمعة والشهرة وضجيج الإعلام، وبذلك نكون قد فقهنا قول الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(التوبة: 105). وما أروع ما تساءل به الإمام حسن البنَّا مع الإخوان: هل أنتم على استعداد بحق لتجاهدوا ليستريح الناس؟ وتزرعوا ليحصد الناس؟ وأخيرًا..لتموتوا وتحيا أمتكم؟. سابعًا الحرية المسئولة لا الفوضى: حين تتنسَّم الشعوب أريج الحرية التي حرموها عشرات السنين، فإنهم يُقْبِلُون عليها بِنَهَم، قد ينسيهم من حولهم، وأن من حقهم أن ينعموا أيضًا بالحرية المسئولة والتي تجعل الجميع يقف في وجه من يريد استغلال الحرية للتجاوز والاعتداء على حريات الآخرين وعقائد الآخرين ودور العبادة والممتلكات، ومن حق الجميع ألا تجلب عليهم الحرية الدمار والخراب والقتل باسم الحرية.. ثامنًا العدل: بالعدل قامت السماوات والأرض، وبالعدل تدوم الدول وتستقر، ومن ثَمّ وجب علينا أن نحقق العدل في وطننا، وأن ننصف الآخرين ولو من أنفسنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)(النساء: 135)، وننصفهم ولو كانوا من أعدائنا: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا)(المائدة: 8). تاسعًا سيادة القانون: ولابد من التأكيد على أن العدل أساس الملك؛ ولذلك فليكن القضاء هو السبيل الذي لا يصح لأحد أن يتجاوزه أو يخرج عليه، إعمالا لمبدأ سيادة القانون، وهذا مبدأ أقرَّته الأديان، ومعمول به في كل الدول وجاء في إعلان الديمقراطية للأمم المتحدة، حيث يقول: "تقوم الديمقراطية على سيادة القانون ومباشرة حقوق الإنسان، وفي الدولة الديمقراطية لا يعلو أحد على القانون، والجميع متساوون أمام القانون"، وهذا تأكيد واعتراف من كل البشر على القيم التي أنزلها ربِّ البشر. واختتم المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين بنداء إلى جميع أبناء الأمة، قائلا: من أراد أن يعبِّر عن رأيه، فليكن بالكلمة الطيبة أو التظاهر السلمي، وأن نتوقَّى العنف بكل أشكاله فلا سبَّ ولا شتم، ولا تخريب للممتلكات، وحيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بسبَّاب ولا لعَّان ولا طعَّان ولا فاحش ولا بذيء".