من حسن حظ الدكتور محمد البرادعي أن الحملة بدأت عليه من الصحف الحكومية سيئة السمعة لدى الرأي العام، وهذا كفيل بدعمه شعبيا ومن النخبة المعارضة ذات ألوان الطيف الفكري، بما فيها المحسوبة على التيارات الإسلامية. أضف إلى ذلك أنه سيكون مرشحا ضد تيار عريض من رجال الأعمال والنافذين في الحكم والحزب الحاكم الذين يعلنون وقوفهم علنا مع توريث الحكم ممثلا في جمال مبارك عبر الانتخابات المباشرة، فقد فصل التعديل الدستوري عام 2005 على مقاسه، بحيث إذا تقرر ترشيحه لا يستطيع أحد في الواقع منافسته على المنصب الرفيع. كل ذلك يجعل من اليسير التغاضي عن علامات استفهام كثيرة تدور حول شخصية الرجل سواء عبر وظيفته الأشهر كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية 12 عاما، أو من خلال سيرته الذاتية بداية كونه يحمل الجنسية النمساوية وهو ما نفاه في حوار سابق له مع برنامج العاشرة مساء بقناة دريم، والحديث الذي يدور بشأن زوجته نادية الكاشف المتخرجة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة والتي التقاها في سبعينيات القرن الماضي بالنادي الدبلوماسي بفيينا أثناء حفل زفاف أحد السفراء، والقول بأنها فارسية إيرانية شيعية، كانت وراء ميوعة قرارات الوكالة بشأن إيران، على عكس ما هو شائع عن موقفها مع العراق والذي أدى في النهاية إلى الغزو وسقوط نظام صدام حسين. وفي الحقيقة لم أعثر على تأكيد لما ينشر في المنتديات عن زوجته. لا أعرف على وجه اليقين ما إذا كانت نمساوية، إيرانية الأصل، أو أنها تجمع بينهما مع الجنسية المصرية التي ربما تكون قد اكتسبتها من زوجها، لكن هناك ما يجعلني بحكم أنني لست كاتبا في أي صحيفة حكومية ولا محسوبا على أي تيار معارض، أن أوجهه للدكتور محمد البرادعي، فأنا واحد من الطبقة الشعبية التي سيسعى لكسب أصواتها إن قرر بالفعل خوض غمار الترشيح بعد بيانه الذي أصدره من فيينا عقب انتهاء رئاسته لوكالة الطاقة الذرية. أمر زوجته خاص به لن أسأله عنه ولست مهتما به ولا يعني في شيء صوتي الانتخابي الضعيف، لكن الأسئلة المحيرة تتعلق بموقفه من الملف العراقي في ذروة الأزمة، ولماذا لم يتخذ قرارا جريئا يعلن فيه عدم العثور على أسلحة نووية، وهو ما اعترفت به الإدارة الأمريكية السابقة بعد سقوط النظام العراقي! بدأ البرادعي وظيفته الدولية المرموقة بلقاء مع جورج بوش، وهو ما لم يتح لغيره، ثم انطلق بعد ذلك في مسيرته بدعم أمريكي وغربي غير مسبوق، لا يبرره إطلاقا أنه لم يكن أساسا مرشح مصر، بل منافسا لمرشح مصري. حصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الوكالة دون مسوغات كافية، إلا إذا كانت الحرب التي شنت على العراق وآلاف التضحيات التي ما يزال يقدمها هذا البلد الشقيق هو المسوغ الوحيد، هذا مع تأكيدي أن النظام الديكتاتوري السابق كان يستحق الخلع، لكن ليس بهذه الطريقة. لم يكن موقف البرادعي مع إيران كسابقه مع العراق، فقد اتسم بالتساهل، وبالدفاع عنها أكثر من الهجوم، حتى أن الولاياتالمتحدة عارضت ترشيحه للمرة الثالثة، ثم سحبت اعتراضها بعد اجتماعه بوزيرة الخارجية حينذاك كوندوليزا رايس، ولابد أنها خرجت من ذلك الاجتماع بضمانات منه، لكنه بعد نجاحه ظل على موقفه المتردد وغير الحازم، ربما لأنه يعرف أنها الفترة الأخيرة له في رئاسة للوكالة! عندما أعلن البرادعي موقفه من ترشيح المعارضة والليبراليين في مصر له، جاء بيانه بخصوص ذلك يوم الجمعة الماضي الرابع من ديسمبر من "فيينا" وهو أمر غير مريح، فاعتبر لذلك مرشحا مستوردا خصوصا أنه قضى الثلاثين عاما الأخيرة خارج مصر، وليس مطلعا بالشكل الكافي على همومها ومشاكلها، حتى أنه تبنى نغمة ترددها جماعات وجمعيات الخارج المصرية والخاص بما جاء في بيانه حول دستور جديد يضمن حقوق الأقليات والحريات وحققوق الإنسان وفق المعايير الدولية التي تؤكد أن الدين لله والوطن للجميع. وهنا وقف البرادعي في خندق واحد مع أقباط المهجر الذين يعتبرون المسيحيين المصريين أقلية مضطهدة لا تنال حقوقها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والدينية بحماية الدستور الحالي المدشن بالمادة الثانية للدستور التي تقول إن مصر دولة عربية دينها الرسمي الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع. كما يقف في ذات الخندق مع أصوات ترى أن النوبة أقلية مخنوقة في مصر، وهو غير متصور إطلاقا في بلد يعيش المصريون فيه بالفعل داخل مجتمع واحد لا نلاحظ فيه إلا نكتا تقليدية نسمعها منذ الأزل عن الصعيدي والفلاح يضحك منها الناس ويطلقها حتى الصعايدة والفلاحين. أما الحديث عن مادة التشريع الاسلامي بالدستور فيكذبه كون المسيحيون القوة الاقتصادية الأكبر في مصر، والتي تكاد تكون استثماراتهم هي الوحيدة الممتدة خارج ديارها ممثلة في استثمارات المهندس نجيب ساويرس في كل من الجزائر والامارات ودول أخرى غير عربية، بالاضافة إلى أن وزير بيت المال (المالية) هو القبطي يوسف بطرس غالي المنوط بفرض ضرائب متساوية على الجميع دون تفرقة بين مسيحي ومسلم! وهذا يعني أنه ليست هناك "جزية" ولا تفرقة في المواطنة، ولا منع لمسيحي من عبادة الله في كنيسته، ولا جبروت للأغلبية المسلمة يحول دون بناء كنائس جديدة، فهي تنشأ بشكل نظامي ومستمر في أي رقعة جغرافية حتى مع خلوها من المتعبدين لعدم وجود سكان مسيحيين فيها. إن مشاكل مصر بعيدة تماما عن حصرها في موضوع الأقليات الذي يزج به زجا، وهو أمر مفهوم بالنسبة للكثيرين الذين يسعون للتعاطي مع الغرب وكسب تأييده لتقسيم بلد لا يعاني بالفعل خسائر في هذا المجال. وهذا الذي قاله البرادعي ينسجم أيضا مع الذين قاموا بترشيحه، وأولهم حزب الوفد الذي يملك تاريخا ليبراليا عريقا في العهد الملكي، وثانيهم الليبراليين المعارضين الجدد الذين أفرزهم الموقع الشهير "فيس بوك".. لكنه بالطبع يختلف عن توجه جماعة الاخوان المسلمين، وهي مفارقة عجيبة أن يرشحوا شخصا يطالب بدولة مدنية عصرية، الدين فيها للعبادة فقط وليس للسياسة أو السياسيين ولا للحياة الإجتماعية فلا يتم به تعريف مواطن في المعاملات الشخصية كبطاقات الهوية وشهادات الميلاد! كان محمد البرادعي معارضا لمبادرة السلام المصرية مع اسرائيل، وهو في رأيي موقف مساير لأستاذه اسماعيل فهمي وزير الخارجية الأسبق الذي كان من أصدقائه المقربين، عندما كان تحت رئاسته في إحدى إدارات الوزارة لفترة من الوقت، ثم اختاره مساعدا له عندما أصبح وزيرا، وفي ظني أن متغيرات كثيرة طرأت عليه جعلته يغير رأيه، حتى أنه كرئيس لوكالة الطاقة الذرية المعنية بمنع السباق النووي في الشرق الأوسط لم يتعرض لاسرائيل إطلاقا، وعندما زارها لم يطلب زيارة مفاعل "ديمونة" ولم يأت على لسانه، وهو هنا يجعلنا نتساءل عن حيادية دوره كشرطي دولي، وعن قدراته في تحرير محاضر للجميع دون تفرقة بين قوي وضعيف. هذه مجرد أسئلة مواطن يملك حق التصويت لصالح البرادعي أو ضده!