ثلاثون ألف جندي إضافي قرر أوباما إرسالهم إلى أفغانستان مطلع العام القادم. وما زالت الضغوط الأمريكية مستمرة على دول الناتو لإرسال المزيد تحت عنوان مواجهة طالبان. الضغوط تشمل أيضا دولاً إسلامية وعربية مثل تركيا والأردن ودولاً خليجية، تماماً كما فعلت واشنطن في حشد القوات الدولية ضد العراق ومن قبله ضد نظام طالبان ..التوقيت جاء بعد تصاعد عمليات حركة طالبان وتحريرها لثلث البلاد من القوات الأجنبية الغازية. وزير الدفاع الأمريكي جيتس حذر من أن 11 ولاية الآن في قبضة طالبان من أصل 34 ولاية. وذلك في معرض حديثه لتبرير زيادة عديد القوات لمواجهة الحركة. كما أن تزايد عدد القتلى الغربيين منذ الصيف وحتى الآن جعلت قيادات الأركان الغربية قلقة من لحظة الحقيقة التي لابد من تجرعها كما تجرعت الجيوش الغازية في تاريخ أفغانستان مرارات الانسحاب والخيبة. البرلمانات والشعوب الأوروبية بدأت تتساءل عن الحكمة من احتلال بلد فقير ليس لديه أدنى قوة لتهديد أمن أوروبا. وهذه حملة بدأتها الصحافة البريطانية بعد تساقط ما يقرب من 30 جندياً بريطانياً في أفغانستان. إذن لمن هذه القوات الإضافية؟ سيصبح لدى الأمريكيين 130 ألف جندي في أفغانستان، فضلاً عن 30 ألف من قوات الناتو والجيوش الحليفة. والعدد مقارب لما هو موجود في العراق. والسيناريو الحقيقي لرفع عدد القوات بنسبة الثلث سيخدم عدة استراتيجيات ربما عبر عنها أوباما في خطابه الأربعاء الماضي. الهدف الأول هو منع وصول طالبان إلى كابول لاستعادة سلطتها. فمن يسيطر على كابول سيحكم البلاد. ولهذا رأينا الإصرار الأمريكي على إعادة قرضاي حاكما بدلا من المرشح عبد الله عبد الله الذي جرى تهديده بالتصفيه إن هو أصر على مناكفة قرضاي المطلوب غربياً لحكم أفغانستان. ومعلوم ما جرى من تزوير فاضح لفرض قرضاي لدورة رئاسية جديدة. تمكين قرضاي يستوجب حمايته عسكرياً من السقوط من ضربات طالبان. ولهذا فالقوات الجديدة هو لرفع معنويات قرضاي وزيادة إظهاره حاكما لأفغانستان بينما الأمر كله بيد قائد القوات الأمريكية في كابول. الهدف الثاني هو دعم المجهود الحربي الأمريكي ضد طالبان باكستان التي أصبحت تمثل تحدياً حقيقياً للنظام الباكستاني. وبعد عجز الجيش الباكستاني عن فرض سلطته على منطقة القبائل، الامتداد الطبيعي لطالبان بوجهي عملتيها الباكستانية والأفغانية. ثالث الأهداف وأهمها، والتي تبدو ربما مخالفة لفكرة تحليل الوضع الأفغاني، هو الإعداد الجدي لضرب إيران من أفغانستان. هذا المشروع الضخم صار لابد منه لعدة اعتبارات: - اليأس من البقاء في أفغانستان لمدة أطول بسبب شراسة المقاومة المدعومة بفطرة الانسان الأفغاني ورفضه المطلق لقبول الحكم الأجنبي. كما أن استمرار الاحتلال مكلف بشرياً ومادياً للدول الغربية التي تعودت على حروب قصيرة وبعيدة عن أراضيها وباستخدام عتاد متطور. وقد ثبت عدم صلاحية هذا السلاح لبيئة أفغانستان. - تعقد مفاوضات الملف الإيراني ووصوله لطريق مسدود وإعطائه فترة نهائية بنهاية ديسمبر الحالي. وهي مدة غير كافية لإقناع الإيرانيين أو تليين مواقفهم رغم استخدام كل وسائل الترضية من الطرف الغربي. وزاد من صعوبة الموقف الإيراني انضمام الروس والصين إلى الجانب الأمريكي بعد ممانعة طويلة بشأن العقوبات. - تفجر الوضع الحوثي وتهديد السعودية التي ردت بدخول حرب حقيقية للحيلولة دون قيام كيان طائفي على حدودها مع اليمن. وبات من المعروف الدور الإيراني الرئيس في دعم الحركة الحوثية بالمال والسلاح والإعلام. التمدد الإيراني وبهذه الصورة يعتبرتهديدا مباشرا لأمن منابع النفط التي تغذي العالم بالنفط المعتدل سعره نسبياً. وبناء على معطيات الوضع على الساحة اليمنية صار من اللازم حسب رؤية أوباما المسارعة لبناء قوة ردع تعيد إيران إلى حجمها الحقيقي دون منافسة للهيمنة الغربية أو تهديد الحلفاء. - استمرار اهتزاز الوضع الداخلي في إيران بعد إعادة انتخاب نجاد، أيضا ربما شجع الغرب لوضع ملف الضربة العسكرية على الطاولة من جديد. فاختلال التأييد للنظام وانقسامه على نفسه وثورة الشارع الإيراني المكتومة بحديد القمع الرسمي وناره جعل الفرصة مؤاتية للتخلص من نظام مزعج وذو طموح مهدد لاستقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. إذن ضرب إيران من أفغانستان هو الحل لإدارة أوباما. فيتم الإنسحاب تحت أضواء الانتصار على إيران. ويتم مغادرة أفغانستان وتركها بعد ذلك محاصرة بين باكستان ضعيفة وإيران مقلوعة الأنياب. * أكاديمي بحريني