عاند البرادعى وحمدين صباحى والسيد البدوى أنفسهم ورفضوا الجلوس مع جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية خلال زيارته للقاهرة. كانت فرصة أخرى فرطوا فيها بسذاجة وباستكبار فارغ لكى يسمع منهم كيرى انتقاداتهم لأمريكا التى تدعم الإخوان وتثبتهم فى الحكم كما يزعمون. مثل هذه الاتهامات السخيفة يمكن أن يقولها حمدين مثلاً انطلاقا من إرثه الناصرى الذى مازال يعيش فيه ويلقى بكل الأوزار فى العالم على أمريكا الشيطان الأكبر كما يصفها ملالى إيران المتطرفين، أما أن يسير على الدرب شخص مثل البرادعى الذى عاش فى الغرب أكثر مما عاش فى مصر والمتشرب بالأفكار ونمط الحياة الغربية وكذلك البدوى رئيس حزب الوفد الذى يفاخر بأنه حزب الليبرالية وآليات السوق وهى قيم غربية، فإن ذلك يبدو من هؤلاء سباحة عكس تيار الواقع وعنادا مهلكا، أو ربما أن القوى اليسارية والناصرية داخل جبهة الإنقاذ نجحت فى سحب القوى الليبرالية واليمينية إلى ضفتهم. زعماء جبهة الإنقاذ يكيلون هجومًا شنيعًا على الأمريكان وحلفائهم الجدد الإخوان، فهل يخشى هؤلاء الزعماء أن يقولوا فى حضرة كيرى شيئا من هذا الذى يهرفون به فى الإعلام، أم أنه الهروب الدائم منهم للأمام مثل الهروب من الحوار مع الرئيس ومن الانتخابات ومن كل المبادرات التى طرحت والتى ستطرح باعتبارهم أدمنوا التأزيم ولم تعد المصلحة الوطنية هاجسهم بل ما يشغلهم إسقاط مرسى أو كسر البلد. هل يظن من قاطعوا لقاء كيرى أنه سيصاب بالرعب، أو الاكتئاب، أو أنه سيشعر بمرارة الهزيمة، الأمريكان لا يعرفون مثل هذه الأفكار فهم بلا قلب وبلا مشاعر، إنما هم أهل المصالح حتى لو كانت مع الشيطان، فلو تطلبت مصالحهم التلاقى مع الإيرانيين مثلا فإنهم سيفعلون دون اعتبار للمسائل الأخلاقية والقيمية والمبدأية وعداء عمره أكثر من 30 عامًا. الأمريكان لا ينحازون للإخوان والرئيس مرسى ضد المعارضة، فهم تخلوا عن مبارك حليفهم الكبير، كما تخلوا عن زين العابدين وصالح والقذافى، لأنهم وجدوا مصالحهم مع الشعوب الثائرة، وهم لا يعنيهم مرسى ولا غيره إنما يتعاملون مع خيار الصندوق والمصالح ولو جاء غدا البرادعى أو صباحى أو البدوى أو أكثر اليساريين تطرفا رئيسا لمصر بالانتخابات فإنهم سيتعاملون معه. مع ذلك فجبهة الإنقاذ ليست على قلب رجل واحد، إذ جلس عمرو موسى مع كيرى على انفراد وهو أحد أركانها، وموسى باعتباره متمرسا فى السياسة والعمل الرسمى يدرك أكثر من غيره الحلول الوسط والمعارضة المرنة، بل إن البرادعى تحدث هاتفيا مع كيرى فيما يعتبر اعتذارا صريحا منه عن رفض الجلوس معه، كما أن المعارضة ليست كلها جبهة الإنقاذ، فقد جلس فريق محترم منها مع كيرى، وقال ما قاله وهذا أفضل من الانزواء والانعزال وقضم أصابع اليد من الغيظ وكيل الاتهامات لإدارة أوباما بمحاباة الإخوان، ها هو وزير الخارجية قولوا له ما شئتم وتوقفوا عن الشكوى التى صارت إدمانا لديكم. لا توجد خصومات دائمة ولا صداقات دائمة فى السياسة، وبهذا المنطق الذى لا تفهمه جبهة الإنقاذ فإنها تخسر خارجيا بعد الداخل، حيث تظهر أمام الأمريكان والعالم بأنها لا تريد أى حلول أو أنها مفلسة، ولذلك قال مسئول أمريكى يرافق كيرى بوعى وحكمة أكثر من قادة الجبهة بأن كيرى سيبلغ أحزاب المعارضة المصرية أن "الوسيلة الوحيدة لضمان أخذ وجهات نظرهم فى الاعتبار هى المشاركة فى الانتخابات، وأنه لا يمكنهم أن يكتفوا بالتنحى جانبا وأن يفترضوا أنه بطريقة سحرية ما كل ما يطالبون به سيحدث، ينبغى أن يشاركوا ولن يقول لهم كيرى ماذا يجب أن يفعلوا، لكنه سيقول إن المشاركة هى السبيل الوحيد لتحريك الأمور فى اتجاه تحقيق رؤاهم". الاحتجاجات الصبيانية على زيارة كيرى تضرب مجددا فى تحضر الشعب المصري، وتشوه ثورته النبيلة، وعموما المسئولون الأمريكان معتادون على أكثر من ذلك فى بلدهم، فلا يضايقهم ذلك خارجها ومن قبل ارتكب الموتورون حماقات وقلة أدب مع هيلارى خلال زيارتها للقاهرة العام الماضى، وهى اكتفت بابتسامة وكلمات ساخرة عن البيض والطماطم الذى أهدر على الأرض. [email protected]