بداية اسمحوا لي أن أسجل احترامي وتقديري الخاص للنقيب الأستاذ مكرم محمد أحمد، فأياً ما كان الخلاف السياسي أو المهني معه فإن ذلك لا يحول دون أن نعطي الرجل حقه ومنزلته ومقامه، في تاريخ العمل الصحفي والسياسي المصري رغم الاختلاف وأنا شخصياً أحمل له ذكرى طيبة (قد لا يتذكرها هو) تعود إلى العام 1983حين حصلت وقتها على درجة الماجستير في العلوم السياسية في موضوع الدين والدولة في فكر جمال عبد الناصر، وذهبت إليه في مكتبه بمجلة المصور بدار الهلال، لأهديه نسخة من الرسالة، فإذا به يبادر بالاتصال بالأستاذ الكاتب الصحفي المحترم مصطفى نبيل (رئيس تحرير مجلة وكتاب الهلال وقتها) ليطلب منه نشر هذه الرسالة ضمن سلسلة كتاب الهلال (لقيمتها وأهميتها) على حد تعبيره يومها وبالفعل نشرت رسالة الماجستير في كتاب واسع الانتشار ونفذت طبعته كاملة (20 ألف نسخة) فور صدورها وكان يحمل عنوان (الدين والدولة والثورة كتاب الهلال عدد فبراير 1984) وقدم له وقتها أستاذنا العلامة د. محمد عمارة. * هذا الرجل، كان وأحسبه لا يزال كذلك، كان يقدر الناس لقيمتهم وجهدهم وليس لأسمائهم، فيومها كنت لا أزال باحثاً وصحفياً في مقتبل عملي الإعلامي، ومع ذلك نشر عملي الأول بحماس وتقدير، لازلت أحمل له هذا الفضل، رغم مرور قرابة الربع قرن عليه. * كل هذا التقدير والاحترام لا يمنعني بل يدفعني إلى تسجيل تذكيتي، ومطالبتي بانتخاب الزميل والصديق د. ضياء رشوان، نقيباً للصحفيين، ليس لعيب في شخص وقيمة الأستاذ مكرم، والذي كنت ولازلت أدعوه إلى أن يبتعد وهو في هذا العمر (أطال الله عمره ومتعه بالصحة) عن الأعمال النقابية والهنية التي تتطلب جهداً وجهاداً، وأن يركز على الكتابة فقط، وهو فيها قلم قوي، شديد الثراء والعطاء، على أية حال .. فأقول أنني أذكي ضياء رشوان، وأدعو لانتخابه نقيباً للصحفيين لأسباب أسجلها هنا بكل حيادية وتقدير واحترام لكافة الزملاء الذين يتنافسون على موقع النقابة الذي ستجرى انتخابات اختياره بعد عدة أيام: أولاً: تعاني النقابة كمبنى ووظيفة من حالة ترهل شديدة الوضوح، وحالة انقسام في الأداء المهني والسياسي، يصل إلى حد الاستقطاب الحاد في بعض الأزمات التي مرت بها (أزمة مؤتمر البهائيين أزمة التطبيع أزمة حق التظاهر السلمي أزمة البدل الخ) كان دور النقابة والنقيب غائباً، أو غير فعال أو شديد الانفعال والعصبية في تلك الأزمات وهو الأمر الذي يدفعنا إلى محاولة إيجاد جيل جديد يحمل فكراً جديداً بالفعل، يستطيع أن يلملم هذا الجسد المنشظي سواء لمجلس النقابة أو لدور النقابة المهني والمجتمعي، ونحسب أن جيل ضياء رشوان، والذي لم يُجرِب خلال الربع قرن الماضي، هو الأقدر والأجدر على ذلك. ثانياً: يتمتع ضياء رشوان بروح هادئة ولطف إنساني، يجمع الناس ولا يفرقهم، وطبعه الهادئ يحول دون انفلات الأعصاب، في وسط إعلامي اعتاد أعضاؤه على أنهم وحدهم هم الذين يملكون الحقيقة، ومن ثم الحق في التعبير عن المجتمع والسياسة والنقابة، إن الأريحية الإنسانية التي يتصف بها (ضياء) هي عين ما تحتاجه النقابة لتجمع الأفرقاء (السياسيين والمهنيين) مجدداً، ولقد سبق لضياء أن خاض معارك بين هؤلاء الأفرقاء، واستطاع أن يوحد بين قلوبهم، ويخرج بأكبر رصيد من الاحترام (ولنتذكر دوره الرائد إبان انتخابات مجلس النقابة الحالي وكيف أوجد الحل ليلة فرز نتائج التصويت، لقضايا كادت تفجر الانتخابات وتحدث تصدعاً كبيراً سواء فيما بينهم أو بينهم وبين اللجنة القضائية المشرفة عليها). ثالثاً: يتمتع ضياء رشوان على المستوى الفكري والثقافي، بأفق سياسي رحب، وبعقلية جدلية تجمع بين قيم العروبة والإسلام والفكر الليبرالي في سبيكة أيديولوجية متماسكة ومقنعة، وهو الأمر الذي تحتاجه المرحلة المقبلة والتي ستبرز فيها حدة الاستقطابات السياسية والأيديولوجية، خاصة مع قرب سيناريو التوريث من التحقق، وستتزايد في عام (2011) المعارك والصراعات التي تحتاج إلى قيادة شابة مستقلة غير صدامية تجمع في فكرها وآدائها القاسم المشترك فيما بين التيارات السياسية الفاعلة في الساحة، وضياء هو بالضبط هذه القيادة. رابعاً: يتميز (ضياء) دوناً عن باقي المرشحين (مع الاحترام الكامل لهم جميعاً) بأنه قادم من مؤسسة صحفية حكومية (الأهرام) وله فيها تاريخ صحفي ومهني وسياسي محترم ومقدر ويزيد على الربع قرن، ولكنه يحمل أيضاً فكراً مستقلاً، ويمارس دوراً أقرب إلى المعارضة بمعناها الوطني الشامل، بهذا المعنى سيكون ضياء إن نجح وندعو الله أن يتحقق ذلك هو الجسر النقابي والسياسي الواسع، وغير المتناقض بين الحكومة والمعارضة، وأحسب أن مثله أي ضياء سيكون أكثر فاعلية من غيره في تحقيق المطالب النقابية المباشرة مثل (المكافآت الرواتب عودة الصحف المغلقة وفي مقدمتها الشعب الإنشاءات العمرانية الجديدة مثل مدينة الصحفيين ... الخ) وذلك لأننا إزاء نظام في مرحلة تحول، وهي مرحلة تحتاج إلى نقابي قادر على إقناع هذا النظام بأن مصلحته مع نقابة قوية غير تابعة أو ذليلة، نقابي يفاوض الحكومة وهو على أرض المعارضة، ويقود مطالب المعارضة، وهو لا يطلق النار عشوائياً على تلك الحكومة، بل يمزج بوعي بين الحق، والعدل، وقيم المهنة وشرفها. لكل هذا ولغيره سأنتخب، وسينتخب الآلاف غيري، ضياء رشوان وفي الوقت ذاته سيظلون يحملون في قلوبهم وأيديهم باقة حب وتقدير للنقابي والصحفي الجليل مكرم محمد أحمد. E-mail: [email protected]