عنوان رسالة الدكتوراه التي تقدم بها الدكتور فريد عبد الخالق إلي كلية الحقوق بجامعة القاهرة " الحسبة علي ذوي الجاه والسلطان " ، والرجل الفذ يبلغ عمره الآن أربعة وتسعين عاما أو تزيد كما أشار الدكتور العوا في مناقشته للرسالة ، وكانت فكرة الرسالة ومشروعها حاضرة في ذهن الرجل منذ أوائل الستينيات بيد إن تعرض الرجل للاعتقال مرات عديدة أوقف مشروعه الفكري . كانت ليلة عامرة بالفكر والتواد والتراحم والتواصل ، شاهدت أجيالا متعددة من جيل القدامي في العمل الوطني كمحفوظ عزام وصلاح عبد المتعال وجيل الستينيات مثل محمود عزت وجيل السبعينيات الذي كان يتقدمه عبد المنعم أبو الفتوح الذي كان قد خرج توا من السجن وسارع الناس للاحتفاء بحريته ، وكان هناك من هذا الجيل من حزب الوسط محمد عبد اللطيف وصلاح عبد الكريم وعصام سلطان ومن الإخوان صلاح عبد المقصود وبدر محمد بدر الذي تعاصر معي هو وصلاح بكلية الإعلام التي كانت ضيفا علي كلية الاقتصاد التي كنت طالبا بها ، وتسني لأبناء الحركة الإسلامية من هذا الجيل في الكليتين أن يتزاملا ، بالإضافة لعدد كبير من الإعلاميين والمهتمين بالشأن الإسلامي . كل هؤلاء جاءوا من أجل فريد عبد الخالق الذي تعاصر مع مؤسس حركة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا وكان له دور كبير في اختيار المرشد الثاني للحركة الأستاذ حسن الهضيبي ، وترقي داخل الحركة إلي حد أن أصبح عضوا في مجلس شوراها ، بيد إنه كان أحد الرواد الكبار في النقد الذاتي لحركة الإخوان المسلمين فكتب مقالا مهما عن " مراجعة المقولات والآليات " والذي كان ضمن رؤي نقدية عديدة لكتاب ومفكرين آخرين في الكتاب الرائد الذي حرره " عبد الله فهد النفيسي " بعنوان " الحركة الإسلامية .. رؤية مستقبليه .. أوراق في النقد الذاتي " . وكان الرجل قد جمد عضويته في تنظيم الإخوان المسلمين منذ وقت مبكر يعود لوقت تولي الأستاذ عمر التلمساني قيادة الجماعة ، لقد كانت له رؤي عديدة حول التنظيم والحركة وحول الحركة ومحيطها الاجتماعي وحول الحركة والعالم وغيرها من القضايا ، كان هناك في تلك الليلة بجامعة القاهرة وجوه كثير يعلوها القلق لأنها بادرت لانتقاد جماعة الإخوان المسلمين منهم حامد الدفراوي ، وقلت في نفسي يالقسوة التنظيم وعنفه . ناقش الرسالة الدكتور محمد سليم العوا ، وكانت له رؤي جديدة حول النظام السياسي الإسلامي بيد إن أكثر الأفكار جدة والتي طرحتها الرسالة هي أن قوله تعالي " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر " تعني الآدمية أي كون الفاعل إنسانا والتكريم يشير إلي العقل ومن ثم فإن أي إنسان حتي لو كان غير مسلم يمكنه من منطلق آدميته ومن منطلق تكريمه أن يرفع قضية حسبة علي ذوي الجاه والسلطان إن هم لم يقوموا بما يوجبه عليهم مناصبهم التي فوضتهم الأمة بأن يقوموا بها نيابة عنها وفق شريعة الله . ومصطلح " الآدمية " كنت في الواقع قد اكتشفته من كتابات الأصدقاء الأتراك في علوم الاجتماع والفقه ، فهم أحناف وأبو حنيفة يعتبر الآدمية عصمة بذاتها ، وكما هو معروف فهناك جدل فقهي كبير حول العصمة هل تكون بسبب الإسلام أم بسبب الدخول في النظام الإسلام العام حتي لو لم يسلم ذلك الذي دخل في ذلك النظام ، أو بتعبير الفقهاء القدامي هل يقاتل الناس لكفرهم أم لامتناعهم ؟ وأبو حنيفة ومعه مثلا ممن قرأت لهم حنابلة كابن القيم يقولون بأن الامتناع هو سبب المقاتلة والقتال وليس الكفر . وكان هناك الدكتور محمد نجيب عوضين وهو قانوني متشرب بفقه الشريعة وأصولها وأهم ما أشار إليه أن الفقه الإسلامي ينزع للمسائل الجزئية ذات الطابع العملي وهذا تعريف الفقه فهو علم المسائل ا لعملية التي يمارسها المسلم وهذا ما يميزه عن الفقه اللاتيني الذي ينزع للمسائل النظرية التي تجنح للخيال ، ولكي يثبت المسلمون قدرتهم علي التنظير الفقهي كتبوا فيه مثل ما كتبه ابن تيمية عن " نظرية العقد " ، وكان ما أشار إليه أيضا أن الفقهاء المسلمين اهتموا بالمسائل العامة السياسية والاقتصادية كما اهتموا بالقضايا الجزئية ، وعندنا في العلوم السياسية كان أستاذنا حامد ربيع يقول إن هناك أكثر من نصف مليون مخطوط سياسي لعلماء في السياسة والفقه الدستوري وكتب الحكمة السياسية ونصيحة الحكام لم يتم الاطلاع عليها بعد ، ومن ثم فما يشيعه المستشرقون وقليل الخبرة بالتراث ا لسياسي الإسلامي من فقر في هذا الباب ليس صحيحا علي الإطلاق . انتهت اللجنة إلي منح فريد عبد الخالق درجة الدكتوراه بامتياز وطبع الرسالة وتبادلها مع الجامعات الأخري ، وقد كان الرجل يستحق فقد ظل يكافح لأكثر من خمسين عاما لينجز مشروعه في تلك الرسالة التي ستضيف الكثير للمكتبة العربية .