ليست هذه أول مواجهة أخوضها مع الكاتبة الجزائرية الرائعة أحلام مستغانمي، فقد سبق لي أن واجهتها وواجهتني دون قصد في مسابقة أفضل الأعمال الصحفية لعام 1990 للفوز بجائزة الصحافة العربية. والحق أنني فور أن علمت أن المنافس الأول أو المنافسة الأولى لي هي الأستاذة أحلام أدركت أنها الفائزة لا محالة وقلت لنفسي حينها لو أنني مكان الأساتذة مصطفى أمين ومحمد العمودي ومحمد صلاح الدين وهشام ومحمد علي حافظ والسيد عبدالهادي بوطالب وبقية أعضاء لجنة التحكيم لمنحتها الجائزة دون تردد. كانت السيدة أحلام خريجة السربون قد تقدمت للمسابقة بمجموعة مشاهدات قصصية وكنت قد تقدمت لنفس الجائزة بمجموعة حواراتي مع الزعماء الطغاة في القرن الإفريقي.. ولأن المسابقة صحفية والجائزة لأفضل الحوارات والتحقيقات الصحفية وليست للأعمال الأدبية فقد قررت لجنة المسابقة منحي جائزة الصحافة العربية على حساب الروائية العزيزة صاحبة "فوضى الحواس" و"الكتابة في لحظة عري" و"ذاكرة الجسد"، و"عابر سرير"، و"على مرفأ الأيام.." على أنني كنت أشعر طوال الوقت عقب إعلان الجائزة التي رعتها جريدة "الشرق الأوسط" أن مستغانمي كانت هي الأجدر بالفوز وكان يكفيني أن تشير لجنة التحكيم إلى منافستي القوية للروائية الشهيرة. كان الراحل العظيم مصطفى أمين قد منحني الدرجة النهائية مانحاً أحلام نصف درجة أقل وكذا فعلها الكاتب السعودي محمد صلاح الدين والمفكر المغربي عبدالهادي بوطالب.. المهم أن لجنة الجائزة حرصت على تأكيد جدارتي بالفوز حيث قلت في مقدمة حواراتي "عدوا معي على أصابعكم أيام زوال دولة الطغاة في القرن الإفريقي" وقد كان.. تزامن انعقاد لجنة الجائز مع سقوط منسجتو ثم سياد بري ورحيل حسن جوليد.. وهكذا.. دارت الأيام واستدارت لأجد نفسي اليوم في مواجهة أخرى مع الكاتبة الكبيرة وهي تقحم نفسها في مستنقع التعصب الكروي القائم بمناسبة المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر والمؤهلة مباشرة لكأس العالم.. ولكم تمنيت أن تنأى أحلام بنفسها عن ماكينة الإشاعات والتهويلات الكروية الإعلامية التي حولت لقاء مصر والجزائر إلى معركة حربية ثم سياسية ثم تاريخية استخدم فيها الطرفان ولا أقول طرفاً واحداً كل أساليب الحرب والتمويه والكذب والخداع.. أما وقد حدث وأقحمت الكاتبة الكبيرة نفسها في هذا الميدان ولا أقول المستنقع فمن واجبي الوطني والقومي والعروبي والإسلامي أن أقول لها مهلاً سيدتي ولا تنجرفي وراء الشعارات والأوهام الزائفة.. تقول أحلام مستغانمي إن الرئيس مبارك وحده كان بإمكانه أن ينزع فتيل الاحتقان ويهدئ النفوس لو قام باستقبال الفريق الجزائري في مطار القاهرة. وتضيف "ولكن على عكس ذلك قام الرئيس المصري بزيارة لموقع تدريب اللاعبين المصريين ومطالبتهم بالفوز على الجزائر". ونظراً لذلك كما تقول أحلام "كيف لا يهاجم الشارع المصري الفريق الوطني "الجزائري طبعاً"، وكيف لا يعتدي الشارع المصري علينا"، ثم تختمها بقولها "تمت إهانة العلم الجزائري في بلد يرفرف فيه العلم الإسرائيلي، ويحمي فيه الأمن أبناء إسرائيل".. هكذا وصلنا للغلط وللعيب أيضاً! في النقطة الأولى فات على السيدة أحلام أن اللقاء الأول كان في الجزائر ولم يخرج الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للمطار لاستقبال الفريق المصري.. ولأن ذلك كذلك ولأن رواندا أحرزت هدفاً في شباك الجزائر ولأن مصر هزمت زامبيا على أرضها فقد انزرع فتيل الاحتقان أو زرعه الإخوة الجزائريون ونفخوا فيه وأوغلوا في النفخ حتى وصل الفريق إلى القاهرة مشبعاً بروح الانتقام والانتصار في معركة الشرف والكرامة. وأما الثانية فقد رأت الكاتبة أحلام أن رئيس الدولة ما كان له أن يزور موقع تدريب اللاعبين المصريين وما كان له أن يطالبهم بالفوز على الجزائر وهذا رأي تنقصه الفطنة فضلاً عن الكياسة ولا يحتاج إلى تعليق.. وقد ربطت الكاتبة بين زيارة مبارك لمنتخب مصر ومهاجمة الشارع للفريق الجزائري وهذا أيضاً محض أحلام أو أوهام خاصة إذا صدقت رواية افتعال لاعبي الجزائر للأزمة ومبالغتهم في سكب المطهر الأحمر على رؤوسهم وعلى أياديهم! ثم نصل مع الكاتبة لحكاية حرق العلم الجزائري التي لم تحدث ولن تحدث قط فيما حدثت في الشارع الجزائري أكثر من مرة.. ناهيك عن ربط أحلام المستفز بين أكذوبة حرق العلم الجزائري وحماية العلم الإسرائيلي وهذا هو الحق الذي يراد به باطل! إن أحداً من الرافضين بشدة لوجود العلم الإسرائيلي في القاهرة وأنا منهم لا يقبل أن تستخدمه أحلام في هذا المجال وبهذه الطريقة التي قد يستخدمها مراهقو القنوات الفضائية.. ذلك أن علم الجزائر شأنه في ذلك شأن علم أقطار المغرب والمشرق العربي في عين وقلب كل مصري عربي أصيل.. ومن ثم فإن المزايدة العربية لا تصلح في الحالة المصرية ومن كاتبة جزائرية في حجم أحلام مستغانمي. أخيراً فإن اتهام أي فرد مصري بتجرده عن عروبته أمر يصل إلى حد الجريمة، على العكس مما قد يحدث أو يصدر كثيراً عن جزائريين كثر يتهمون هذا بالبربرة ويتهمون ذاك بالفرنسة ويصفون "الشاب" ب"الداب" والقاموس الإعلامي الجزائري يمتلئ بهذه الأوصاف والمصطلحات.. لا أجدني بحاجة للتذكير بسيرة النضال الجزائري المصري المشترك، بدءاً بتحرير الجزائر على يد أبنائها الأبطال، ونهاية بتحرير سيناء وإعادة الكرامة العربية في الميدان الحقيقي.. ولكم أعجبني كثيراً أن يقول الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المصري إننا كمصريين بالغنا كثيراً في الحديث عن دور مصر في تحرير الجزائر وقيام الثورة الجزائرية، فيرد عليه السفير الجزائري والسياسي المخضرم عبدالقادر حجار: أبداً لم تكن هناك مبالغة وهذا ما حدث ويسعدني كجزائري أن أسمع ذلك وأضيف عليه موقف الرئيس الراحل هواري بومدين في حرب 1967 وفي معركة 1973.. أما مسألة حماية الأمن المصري لأبناء إسرائيل فأقل ما يقال فيها وعنها "عيب". تماما مثل سلوك هؤلاء الذين حرقوا علم مصر في الجزائر، ومثل أولئك الذين وضعوا رؤوس الفنانات المصريات على أجساد اللاعبين وكأنه سُبة.. إن مثل هؤلاء مرشحون للنيل منك إن لم يكونوا قد نالوا بالفعل بدعوى إثارتك للغرائز من خلال رواياتك "الكتابة في لحظة عري"، و"ذاكرة الجسد"، و"عابر سرير"، و"فوضى الحواس" وغيرها.. فهل سنقبل بذلك؟ بالتأكيد "لا"، مثلما لا نقبل الإساءة لأي رمز أو موقف من مواقف مصر العروبة والإسلام.