تجاوزت رؤية حسن البنا لمفهوم الوطنية نطاق الحدود الجغرافية "فكل بقعة فيها مسلم يقول "لا إله إلا الله" وطن عندنا له حرمته وقدسيته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره، وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم" وهذه النظرة الشاملة لمفهوم الوطنية عند حسن البنا تمثل إحدى الثوابت الأساسية في فكر، الإخوان وهو الأمر الذى يتجلي بصورة عملية في اهتمامات الإخوان بشئون العالم الأسلامي والدعم المادي والأدبي الذي قدموه لكافة القضايا الإسلامية، وعلي رأسها القضية الفلسطينية. وقد عمل الشيخ حسن البنا علي مخاطبة الملوك والأمراء وحكام بلدان العالم الإسلامي المختلفة، وكذلك كبار رجال الفكر والرأي والعلماء في هذه البلدان شارحا تصوره للمنهج الإسلامي، موضحاً مزايا هذا المنهج، ومطالباً بتطبيق الإصلاحات في كافة المجالات السياسية والقضائية والاجتماعية والاقتصادية، معلنا في نهاية رسالته "وإنا لنضع أنفسنا ومواهبنا وكل ما نملك تحت تصرف أية هيئة أو حكومة تريد أن تخطو بأمة إسلامية نحو الرقي والتقدم، نجيب النداء ونكون الفداء" كما عملت الجماعة علي إبراز الطابع الإسلامي الجامع لها، والذي يتعدى الحدود الجغرافية من خلال قانون النظام الأساسي للجماعة، حيث نصت المادة الثانية من القانون علي أن "الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام". وقد ترجمت جماعة الإخوان نظرتها للوطن الإسلامية من خلال عدة وسائل من أهمها:- الوسيلة الأولي :- اهتمام الإخوان بالطلبة العرب والمسلمين الذين يدرسون في مصر وإحاطتهم بالرعاية والتكريم، ومن هنا جاء الاتصال بين الدعوة في مصر والطلاب العرب والمسلمين لقد كانت القاهرة مأوي للطلاب من كافة الأقطار العربية والإسلامية، الذين جاءوا للدراسة بالقاهرة، وبصفة خاصة في الجامع الأزهر، وكان الإخوان يعملون علي استقطاب هذا العدد الكبير من الطلاب، من خلال نشر الدعوة بينهم، وتوفير العناية والاهتمام بهم، بحيث أصبحت شعب الإخوان ومقراتهم الملجأ لهؤلاء الطلبة يجدون فيها معاني الأخوة الإسلامية بعيداً عن الشعور بالعزلة عن أوطانهم، وقد أتاح العمل وسط الطلاب العرب والمسلمين بالقاهرة للإخوان أداة اتصال فعاله ونشطة بمختلف البلدان الإسلامية، فقد أتاحت هذه الوسيلة معرفة الكثير من أحوال البلدان الإسلامية المختلفة، كما كان هؤلاء الطلاب نواة لشعب جديد للإخوان عند الرجوع لأوطانهم. الوسيلة الثانية :- استغلال مواسم الحج من قبل الشيخ حسن البناء عن طريق الالتقاء بالعديد من زعماء وقادة العالم الإسلامي، وأصحاب الرأي والفكر، ومناقشة أحوال العالم الإسلامي، وفتح قنوات الاتصال معهم، وقد حرص حسن البنا علي مواصلة السفر لأداء فريضة الحج، كما حرص علي أن يصطحب معه العديد من دعاة الإخوان، وكان يستعين بمكبرات الصوت لمخاطبة الحجاج في عرفات، فضلاً عن الدعوة إلي مؤتمرات يخطب فيها زعماء العالم الإسلامي وهكذا استطاع حسن البنا أن يحول موسم الحج إلي مناسبة لنشر دعوته بين الحجاج والالتقاء بأصحاب الرأي والفكر في سائر أنحاء العالم الإسلامي الوسيلة الثالثة :- إرسال الدعاة من كبار الإخوان المسلمين إلي الأقطار العربية والإسلامية لنشر الدعوة وفتح شعب جديد للإخوان بها، والالتقاء بالهيئات الإسلامية المختلفة وكانت أول بعثة للإخوان إلي الخارج إلي فلسطين وسوريا ولبنان، وكانت البعثة مكونة من عبد الرحمن الساعاتي (شقيق حسن البنا) ومحمد أسعد الحكيم، وقد توجهت البعثة إلي بلاد الشام في بداية شهر أغسطس 1935 حيث تقابلت البعثة في القدس مع مفتى القدس أمين الحسيني ثم توجهت إلي دمشق وبيروت والتقت بالعديد من قادة الهيئات الإسلامية الوسيلة الرابعة :- افتتاح العديد من الفروع للإخوان في الخارج ،وقد بدأ إنشاء هذه الفروع بصورة مبكرة للإخوان فقد ذكر حسن البنا في مذكراته أنه بعد انتقال الدعوة من الإسماعيلية إلي القاهرة عام 1932 كان مجموع شعب الإخوان المسلمين بمصر خمس عشرة شعبة، كان منها فرع جيبوتي لجمعية الإخوان المسلمين بناء علي رغبة بعض شباب جيبوتي في تكوين شعبة للجمعية بها، وأن مكتب الإرشاد انتدب أحد الأخوة ليكون صلة بين حضراتهم وبين المكتب ولعل وجود هذا الفرع في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الجماعة والتي لم يكن لها فروع في الإسكندرية وغيرها من المدن الكبرى في مصر، واقتصر تواجدها في بعض المحافظات في منطقة القناة، والدقهلية والشرقية والبحيرة – بل إن القاهرة لم يكن يوجد فيها إلا المقر العام للإخوان في إحدى حارات القاهرة – يوضح مدى اهتمام الجماعة بالعمل في نطاق الطلبة والشباب العربي والمسلم بالقاهرة. وقد انتشرت فروع الإخوان في بلاد الشام، ففي سوريا تأسست في عام 1937 أول جمعية تحمل اسم الإخوان المسلمون في مدينة حماة، وفي عام 1944 اتخذت حركة الإخوان المسلمين في سوريا شكلاً تنظيميا واحدا فى كل المدن السورية, وانتخب مصطفى السباعى مراقبا عاما لها وقد تلقى مصطفى السباعى تعليمه فى الازهر ,حيث اتصل بالاخوان المسلمين قبل ان يعود ويتولي منصب المراقب العام للإخوان فى سوريا . ومن الملاحظ أن لقب المرشد العام كان قاصراً علي الرئيس العام لجماعة الإخوان المسلمين بالقاهرة، أما رؤساء الفروع في البلدان المختلفة فكانوا يحملون لقب المراقب العام. وبصفة عامة فقد تأسست العديد من الفروع للإخوان في الخارج وقد حمل بعضها اسم الإخوان المسلمون، وحمل البعض الأخر أسماء إسلامية أخري، كما توثقت الروابط بين الإخوان المسلمين في مصر والجماعات الإسلامية التي نشأت بصفة مستقلة وكانت أفكارها قريبة من فكر الإخوان المسلمين. الوسيلة الخامسة:- صحف ومجلات الإخوان، فقد أولت هذه الصحف اهتماماً كبيراً لشئون العالم الإسلامي، واحتلت قضايا العالم الإسلامي المرتبة الأولي تقريباً في كل الصحف والمجلات التي أصدرها الإخوان، فقد خصصت مجلة الإخوان المسلمين وهي أول مجلة أصدرها الإخوان عام 1933 – بابًا بعنوان "العالم الإسلامي" وقد جاء في تقديم هذا الباب للقراء "أن جريدة الإخوان المسلمين تعتبر نفسها خادمة كل مسلم مهما كان وطنه أو جنسيته، ولا نري أهل القبلة إلا رجلا واحداً كما مثلهم بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهي – أي المجلة – لهذا تنقل إلي قرائها بمجمل أخبار العالم الإسلامي ليعلم بها كل قارئ، وليقوم كل مسلم بما يجب عليه نحو الإخوه الإسلامية العامة غير متحيزة إلي فريق أو مائلة إلي ناحية، ولكنها ترجو الخير لكل المسلمين". كما أفردت صحف الإخوان أبوباً خاصة لمتابعة أنباء وقضايا العالم الإسلامي، وكذلك أصدرت أعداداً كاملة للحديث عن دولة من دول العالم الإسلامي الوسيلة السادسة :- إنشاء قسم الاتصال بالعالم الإسلامي، وقد حددت اللائحة الداخلية العامة للإخوان المسلمين أهداف هذا القسم في العمل علي ربط الأقطار الإسلامية بعضها ببعض، وتوحيد السياسية العامة لها، والعمل علي تحرير الأوطان الإسلامية من كل سلطان أجنبي، وإقامة حكومات إسلامية ديناً ودولة في كل هذه البلاد، وتكوين وحدة سياسية إسلامية. كما نصت اللائحة علي إنشاء لجان في القسم لمتابعة أوجه النشاط المختلفة فيها: لجنة الشرق الأدني:- وتضم البلاد العربية وباقي الشعوب الإسلامية في أفريقيا كما تضم تركيا وإيران. لجنة الشرق الأقصى:- وتضم أفغانستان، تركستان، الصين، الهند، الهند الصينية، أندونيسيا، اليابان. لجنة الإسلام في أوربا. كما نصت اللائحة علي قيام القسم بدراسة قضايا العالم الإسلامي، وأن يعد لكل قضية ملفاً خاصاً، كما يعد لكل قطر ملفاً خاصاً يشمل كل ما يهم معرفته عن هذا القطر مما يتصل بأغراض القسم وقد استقطب هذا القسم الطلبة العرب والمسلمين في مصر، والذي اعتمد عليهم القسم في أداء عملة، من خلال معرفتهم بأحوال وقضايا أوطانهم، وكان العاملون في القسم يتولي كل واحد منهم حفظ ملف قضية أو أكثر من قضايا العالم الإسلامي، ويقوم بمتابعتها، وكان العمل في هذا القسم يعني متابعة جميع قضايا العالم الإسلامي وكانت الرسائل تأتي إلي القسم من مختلف البلدان، وكان القسم يتولى الإجابة عنها، كما كان يصدر التوجيهات إلي الأفراد والهيئات في خارج مصر، وكان القسم يجمع من المعلومات عن العالم الإسلامي ما لا يتوافر في جمعية أخري لقد أتاح قسم الاتصالات بالعالم الإسلامي للإخوان معرفة دقيقة بأحوال العالم الإسلامي وهو الأمر الذي يتجلي بوضوح في مواقف الإخوان من قضايا العالم الإسلامي المختلفة. الوسيلة السابعة:- تبني قضايا العالم الإسلامي أدبياً ومادياً، وقد اتخذ ذلك أشكالاً وأساليباً مختلفة حسب طبيعة كل قضية، فقد فتح الإخوان دورهم لزعماء وقادة التحرير في البلاد العربية والإسلامية، وكان المركز العام للإخوان بمثابة " دار العائلة " لهم وقد خصص الإخوان احتفالات عامة لهؤلاء الزعماء والقادة لشرح ما يلاقونه في بلادهم وشرح قضاياهم وطرحها علي الرأي العام وبصفة عامة فقد تبني الإخوان قضايا العالم الإسلامي من المغرب حتى أندونسيا، سواء بالمساندة المعنوية، وتقديم رسائل الاحتجاج والاستنكار إلي سفراء الدول الاستعمارية ومجلس الأمن، أو إرسال المعونات المادية، وكذلك تقديم المتطوعين للقتال كما حدث في فلسطين. إن هذه الأساليب المختلفة التي اتبعها الإخوان تأتي تأكيداً لنظرتهم لمفهوم الوطن الإسلامي والأمة الإسلامية الواحدة التي يربطها أوثق رباط وهورباط العقيدة وتدعمها " الإخوة الإسلامية" التي تجعل المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي، فأي قضية لبلد مسلمة هي قضية جميع المسلمين التى يجب أن يقفو متكاتفين كوحدة واحدة. * مدرس التاريخ الحديث والمعاصر كلية التربية – جامعة دمنهور [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]