آسفنا وتألمنا كثيراً لما حدث فى الأيام الماضية من حرب باردة بين حلفاء الأمس، الذين انتصروا على خصومهم بالاتحاد والقوة، وقد حذرنا الله تعالى فى كتابه العزيز: "وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" (الأنفال:46)، إن ما شاهدناه فى الأيام القليلة لهو الصراع بعينه الذى يؤدى إلى الفشل والسقوط، وارتقاء الأعداء فى الخارج وأذنابهم فى الداخل للصدارة، الذين يتحينون الفرصة للقنص، ويتربصون بنا الدوائر، وينفخون فى الصراعات ويزرعون الشقاق، يجب أن نفرق بين الاختلاف الذى هو هو من سنن الكون ومن أسباب الرحمة بين المسلمين، وبين الشقاق والتراشق والصراع ولنا فى أحداث التاريخ المثل، فعندما سقطت قرطبة حاضرة الأندلس، وتحكمت ملوك الطوائف، سقطت المدن الأندلسية الواحدة تلو الأخرى، نتيجة تعاون بعض الفرق الإسلامية مع الأعداء المتربصين فى الشمال ضد الأخوة فى الدين والدم، فماذا حدث؟ التهم القشتاليون كل أراضى الطرفيين، فهل اتعظ المسلمون إذن من أخطاء الأجداد؟ كلا لقد أعادوا نفس السيناريو وتعاون الفرقاء مع الأعداء ضد إخوانهم فى مملكة غرناطة مما سهل السقوط المريع لآخر بقعة من أصقاع الأندلس الذى هو فى عام 892ه .. ضاعت الأندلس نتيجة الفرقة والصراعات، وفرض القشتاليون التنصير الإجبارى على من تبقى فى الأندلس، وشكلت محاكم التفتيش الذى سامت المسلمين سوء العذاب. اتعظوا من التاريخ وأرجعوا إلى صحيحه علكم ترجعون، لقد عزل الخليفة عمر بن الخطاب "خالد بن الوليد" فى أحلك الظروف، والمعارك تدور رحاها فى الشام.. كانت لحظة فارقة، لم ينشق خالد ويشنع على الخليفة ولم يذهب لمعسكر الأعداء ليفشى أسراره، وإنما رضى أن يكون جندياً مخلصاً فى جيش المسلمين تحت إمرة القائد الجديد أبى عبيدة عامر بن الجراح، لأنهم أفنوا ذواتهم فداءً للإسلام وطلقوا الهوى وحب الدنيا، وبهذه المبادئ سادوا وفتحوا الدنيا شرقاً وغرباً، ونشروا العدل والنور والرخاء فى أقل من خمسين عاماً.. وفى هذا يقول الشيخ الغزالى:"لقد انتصر السابقون الأولون لأن أسباب النصر المادية والأدبية ترعرعت فى بيئتهم حين صفرت فى بيئات أخرى". انظروا إلى اليهود حولنا الذين أسسوا دولتهم على أشلاء اختلافنا.. لم يختلفوا ولم يظهر بينهم الشقاق وهم الذين جاءوا من بيئات وثقافات وعادات ولغات مختلفة .. لم يبخل اليهود بالمال لإنجاح قضيتهم، بل عرفوا كيف يكسبونه كثيراً وفيراً، وينفقونه كثيراً وفيراً، فعندما نهض زعيم الصهيونية "هرتزل" لينشر دعايته فى العالم التقى ب"البارون دى هيرش" الذى أسس "جمعية الاستعمار اليهودى"، وغرضها إسكان مشردى إسرائيل فى بعض أقطار أمريكا ورصد لذلك عشر ملايين من الجنيهات من ماله الخاص، حدث هذا ونحن نتآمر مع الصليبيين الجدد ضد دولة الخلافة العثمانية وطردها شر طردة من الحجاز والشام تحت زعم "الثورة العربية الكبرى"، وكان كبار زعمائنا أعضاء فى المنظمات الصهيونية مثل "الماسونية" يتبرعون لها بالأموال الوفيرة عن طيب خاطر، ونسينا الإسلام وهموم أمته، ويحضرنى فى هذا حوار دار بين "لويد جورج" (رئيس وزاء بريطانيا الأسبق فى الفترة بعد الحرب العالمية الأولى)، وأحد القادة الصهاينة الذى كان يسعى فى إيجاد وطن لقومه، وفى سبيل ذلك أسدى لانجلترا خدمات جليلة تستحق المكافأة، فقال له "لويد جورج": أنك أديت للدولة خدمات عظيمة وأود أن أوصى بك عند صاحب الجلالة فينعم عليك بوسام رفيع، فأجابه قائلاً: إنى لا أريد شيئاً لنفسى.. فقال له لويد: ألا نستطيع أن نقدم لك شيئاً عرفاناً لجميلك وما قدمت يداك لهذا البلد، فقال: بلى أريد أن تعملوا شيئاً من أجل الشعب الذى أنا واحد من بنيه. وحدث أن نزح يهودى من ألمانيا إلى فلسطين فى أثناء اضطهاد "هتلر" لقومه، وكان الرجل ذا ثروة كبيرة، تركها خلفه وهو هارب.. فلما تغيرت حكومة ألمانيا، وعوض اليهود عما فقدوا أرسلت لليهودى النازح أمواله، وكان آنئذ فقيراً يشتغل خفيراً فى إحدى المستعمرات.. فقال له عربى يعرفه: إن الثراء هبط عليك فجأة، فهل ستشترى المستعمرة كلها لتصبح مالكاً لها، فقال اليهودى الخفير: ما أفعل بالمال لنفسى! إن أولادى يتعلمون بالمجان فى المدرسة، وقد كبرت سنى! فسأهب هذا المال كله لشئون المستعمرة العامة، ولن أطلب من المسئولين إلا أن يغيروا الكلب الذى يساعدنى فى الحراسة فقد ضعف بصره.. والأمثلة كثيرة على إنكار اليهود لذاتهم فى سبيل دولتهم المزعومة، بينما تحالف حكامنا مع الشيطان للحفاط على سلطانهم، حتى لو تعارض هذا مع مصلحة شعوبهم وأوطانهم. أرايتم يا من تتنازعون وتتراشقون؟!! وقد نجحتم فى الماضى القريب بتعاونكم وتضامنكم فى إبعاد مرشح النظام السابق، وفى إبعاد المؤمرات التى حاولت إعاقة صدور الدستور وقد نجحتم برغم ضخامة إمكانيات خصومكم وامتلاكهم الأموال والإعلام، عودوا إلى وحدتكم واتعظوا من أحداث التاريخ الذى هو عبرة لمن يعتبر ولمن يتخلص من هواه وغرضه.