السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،, يشرفنى يا أستاذة / أميمة أن أرسل لكِ معاناتى على بابك "افتح قلبك" بجريدة "المصريون".. أنا عمرى 25 عاما، أعمل محاسبًا بالمملكة العربية السعودية, ولكنى تعرضت لمشاكل نفسية وأنا صغير من الأسرة والمجتمع, وخصوصاً أبى, كان سريع الغضب ولكنه ربانى على الأخلاق والصلاة، ولكن ليس بالطريقة المثالية, فأنا الآن ليس عندى ثقة فى أحد, مع إننى أمارس حياتى وأى شىء آخر عادى جداً, ومنتبه تماماً لمستقبلى, ولكنى أتألم من بعض الأمور التى مرت بحياتى, والألم يأتينى حين أصلى أو أجلس بمفردى, ودائم التفكير فى هذه الأمور بصفة دورية. المشكلة الأخرى.. أننى غير متقبل أصدقائى, وسريع الغضب نسبياً غير أنى طيب القلب, أيضاً خائف من المستقبل, ومتشائم بعض الشىء من الزواج من خوفى ألا أوفق فيه, وأكون بذلك قد ظلمت نفسى وظلمت زوجتى والأهم أولادى, أخاف أن يتعرضوا لما تعرضت له فى الصغر, وأخاف من التقصير فى التعامل معهم,، فمشكلتى الرئيسية.. تأنيب الضمير المتواصل, والتفكير فيما مضى من مشاكل أو اضطرابات حدثت لى وأنا صغير. شكراً على قبولك الاستفسارات, وأتمنى لكِ التوفيق, وأن يرفع الله قدرك فى الدنيا والآخرة. (الحل) وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،, أود فى البداية أن أشكرك على كلماتك الطيبة ودعائك الجميل الذى أمنت عليه ودعوت لك بمثله،, وأبشرك أخى السائل بأن كل ما ذكرته تقريباً ليس بمشاكل تحيط بك وتعانى منها كما تتصور, بل إن كلها أمور ومشاعر وسلوكيات طبيعية نمارسها جميعاً وغالباً فى حياتنا يومياً, وربما زادت بعضها عندك نوعاً ما, مما يجعلك تشعر أنك غير طبيعى كباقى زملائك أو من تتعامل معهم, فى حين أن منهم يمكن أن يكون أكثر تعقيداً وتشاؤماً وحذراً منك,، ولنبدأ ونفكر معاً فى الأمور التى تعتبرها مشكلات بالنسبة لك.. أولاً: تقول بأنك دائم التفكير فى كل ما كان يؤلمك فى حياتك منذ كنت صغيرا, وخاصةً معاملة أبيك بشكل عصبى معك بسبب سرعة غضبه، وبالطبع كانت هناك تبعات لسرعة الغضب هذه كالصوت العالِى أو السباب والترهيب وربما الضرب أيضاً، مما ولّد لديك شعورا بالخوف والانطواء والانسحاب من الحياة الاجتماعية بعض الشىء, وهو ما اكتسبته أنت من والدك وبنفس السلوك العصبى وسرعة الغضب من زملائك والمحيطين بك,, لكنك فى نفس الوقت تقر بأن والدك رباك على الأخلاق والصلاة, حتى لو لم تكن على الطريقة المثالية من وجهة نظرك, ولكن سرعة انفعاله معك هذه بالتأكيد كانت خوفاً عليك من أخطاء كنت تقع فيها، فكان يغضب خوفاً عليك منها, حتى ولو كان تصرفه لم يكن سليماً بشكل كامل, ولكن فى النهاية هى كانت خوفاً عليك وعلى مستقبلك، حتى وإن كان يخطئ التصرف والمعاملة والتحكم فى أعصابه, والدليل أنك تتعامل بشكل عادى وطبيعى جداً فى كل حياتك، بل ومنتبه تماماً لمستقبلك كما ذكرت الأمر الذى جعلك الآن بفضل الله فى وضع علمى وعملى عالٍ رغم سنك الصغير مقارنةً بكثير من الشباب الذين يكبرون عنك ولم يجدوا فرصتهم كاملة من التعليم والعمل. وكونك ليس عندك ثقة بأحد، فهذا أمر طبيعى بالنسبة لكثيرين حذرين مع الآخرين, فعليك دائماً توخى الحذر البسيط فى معاملاتك، ولكن مع حسن النوايا وعدم التخوين، ولكن عندما تطمئن لصديق أو زميل فلا داعى لعدم الثقة منك به, فمعاملاتك مع المحيطين كفيلة لتبين لك من الوفى الذى تثق به ومن السيئ كى تحذر منه بالفعل, ولكن عليك أن تشغل وقت فراغك دائماً بقراءة القرآن الكريم وملازمة ذكر الله, ثم قراءة الكتب المفيدة, والتواصل الطيب المباح مع الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعى من خلال الإنترنت, ولتبحث عن صحبة تسعى للخير حتى تشارك معهم فيه وحتى لا تجلس بمفردك وقت طويل على ألا تنسى أن تحتسب النية لله قبل المشاركة حتى تنال ثوابها كما عليك أن تحاول ممارسة الرياضة يومياً، وخاصةً رياضة المشى مع تركيز تفكيرك أثناء المشى فى أشياء إيجابية تنوى القيام بها أو مواقف طريفة مرت بك على مدار اليوم, أو تعمق تفكيرك فى أن تتدبر فى مخلوقات الله وقدرته وعظمته فى كل شىء تقع عينك عليه, وقتها لن تسمح للشيطان أن يدخل حياتك ولا إلى النفس الأمارة بالسوء أن تُعمل ذاكرتك باستجلاب كل ما هو سيئ فى حياتك الماضية, وعليك دائماً أن تتذكر المواقف الطيبة والحنونة لوالدك وبعض تضحياته حتى تثقل ذاكرتك بكل ما هو طيب من والدك والذى به تستطيع محو أو تناسى انفعالاته السلبية عليك.. الأمر الثانى.. وهو أنك سريع الغضب, فهى صفة مكتسبة من والدك, ويمكنك التحكم بها بأن تدرب نفسك على ألا تتأثر سريعاً برد الفعل السلبى حين يستفزك أحدهم, فبمجرد أن يحدث موقف يثير غضبك عليك أن تتذكر قول الله تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين".. فهذه الآية الكريمة كفيلة لتكبح جماح الإنسان العصبى وقت الغضب حتى يهدأ اتقاءً لله وحده,, وعليك أيضاً باتباع سنة رسول الله, بأن تغير جلستك التى أنت عليها.. لقوله صلى الله عليه وسلم : "إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الغضب وإلا فليضطجع".. من سنن أبى داوود. على أن تضع نصب عينيك دائماً أن الإنسان إذا ترك نفسه للغضب فسوف يجنى من أخطاء لسانه سمعة سيئة تلازمه دائماً حتى بعد موته,, وحاول دائماً أن تكون على وضوء بقدر الإمكان.. أخى السائل.. ابدأ وأقبل على الحياة بهذا الشكل, وقتها سيدخل التفاؤل إلى كيانك, وإلا سيُسرق منك عمرك وأنت متقوقع داخل ماضيك وسلبياته, وتبدأ الأمراض لتدق باب جسدك والذى هو أمانة أمنها لك الله, وما من شىء يستحق أن نمرض بسببه, وابدأ وابحث عن زوجة صالحة تؤنسك وتحتضنك هى وأبناء صالحين تحاول أن يكون ما مر بك من تجارب درساً لك تتعلم منه كيف تحنو على أولادك فيما بعد وأنت تقوِّم, وستعرف وقتها أيضاً مقدار الحب وخوف الأب والأم على أبنائهم وربما تلتمس وقتها العذر لأبيك على تصرفاته معك, ثم احمد الله دائماً وكثيراً على أنه أعطاك كل هذه النعم التى يفتقدها غيرك وخاصةً نعمة الأب وخوفه على ابنه, الأمر الأخير.. والذى تعتقد أيضاً أنه مشكلة تواجهك, وهى تأنيب الضمير دوماً, فهى فى الحقيقة نعمة أيضاً من النعم التى حباك بها المولى عز وجل ألا وهى نعمة "النفس اللوامة", وفرصتك معها بدوام الاستغفار عن كل ما تتذكره من أفعال سيئة ولا ترضى الله. وأدعو الله أن يعينك على القيام بكل ما نصحتك به ويثبتك ويبارك لك فى والديك وأهلك جميعاً. *وهمسة منى صغيرة فى أذن كل أب وأم.. ارحموا أبناءكم حين تعاملونهم وعاملوهم بما تحبون أن يعاملوكم به "فكل إناء ينضح بما فيه". لإرسال مشكلتك والتواصل مع الأستاذة / أميمة السيد [email protected]