ارتفعت وتيرة التحرُّك العربيّ بقيادة مصر التي بعثت بوزير خارجيتها أبو الغيط ورئيس مخابراتها اللواء عمر سليمان إلى صنعاء 3 أكتوبر قبيل وصول أمين جامعة الدول العربية عمرو موسى الثلاثاء 6 أكتوبر. وقال موسى في تصريح صحفي: إن زيارته تهدف إلى التشاور مع الرئيس صالح حول الأوضاع المتوترة في اليمن. وأضاف: "هذه الزيارة تأتي في إطار التشاور من منطلق الرغبة في الحفاظ على وحدة اليمن ودعم تحرك كل الإخوة في اليمن نحو الوحدة وتحقيق الاستقرار في البلاد". غير أن مصدرًا يمنيًّا مطَّلعًا أشار إلى أن المباحثات "قد تتطرق إلى الأوضاع التي تشهدها صعدة". وتشير مصادر في القاهرة إلى "أن القاهرة تبدي دعمًا سياسيًّا كبيرًا سيشمل كل المستويات خلال الفترة المقبلة". غير أن مصدرًا في الرئاسة اليمنية نوَّه ل"الأهرام" إلى التنسيق الممتدّ بين قيادتي مصر واليمن لتطوير عملية السلام وجهود المصالحة الفلسطينية، وهو ما يشير إلى دعم تحالف "الاعتدال" الذي يمثله "السعودية ومصر والأردن" بعد موقف اليمن الأخير من غزة. ويقول متابعون: إن ابتعاث رئيس مخابرات مصر يأتي في سياق المخاوف المصرية والسعودية من توسُّع إيران ودخولها كطرف في حرب صعدة. وفي السياق استقبل الرئيس (4 أكتوبر) قائد العمليات الخاصة المشتركة بالولايات المتحدةالأمريكية الأدميرال وليام مكرافن الذي يزور اليمن حاليًّا. ويأتي التحرك العربي والأمريكي بعد اجتماع لوزيرة خارجية أمريكا مع حلفائها العرب "الخليجيين، ومصر والأردن والعراق" (26 سبتمبر)، تلاهُ اجتماع وزاري للاتحاد الأوروبي مع ممثِّل السياسة الأوروبية وممثلين عن حلف الناتو (28 سبتمبر) لمناقشة الأوضاع في اليمن. وكانت "الخليج الإماراتية" (12 مايو 2009م) أكَّدت عن مصادر أمريكية بواشنطن أن إدارة الرئيس أوباما تؤيِّد وساطةً مصريةً خليجيةً تجري سرًّا بين الحكومة اليمنية والحراك الجنوبي. وباشرت القاهرة ودول خليجية مساعٍ للوساطة من خلال مفاوضاتٍ سريةٍ جرت في العاصمة المصرية بإدارة فريق من الخارجية المصرية. وجاء التحرُّك في ضوء قلقَ دوائر أمريكية من اشتعال الموقف في اليمن بشكلٍ أخطر مما حدث في صيف 94م. وتقود مصر تحركًا دبلوماسيًّا عربيًّا بمباركة السعودية والأردن والإمارات، لانتشال اليمن من الأخطار الداخلية المحدِقة به في الشمال والجنوب، عبر التنسيق لحوار وطني يشمل جميع القوى اليمنية في الداخل والخارج؛ لحقن الدماء وحفظ الوحدة اليمنية. مصرع 12 من مقاتلي حزب الله في صعدة من جانبها، نقلت مؤسسة ستراتفور الأمريكية عن مصادر قيادية في حزب الله اللبناني أن 12 من مقاتليه لقوا حتفهم وهم يؤدون واجبهم في صفوف الحوثيين في الحرب الدائرة لمواجهة الحكومة اليمنية بصعدة.. وقالت المؤسسة -التي تهتم بالتقارير الأمنية والاستخباراتية- أن حزب الله أقام أخيرًا عزاءً لعدد من أعضائه المجهولين يرجَّح أنهم لمقاتلين له قُتلوا في اليمن. ونقلت "الأهرام المصرية" تأكيدها عن تقارير دولية أن حزب الله يوفر الدعم الفني لنشر دعايات المتمردين الحوثيين، وربط التقرير ذلك الدعم بتورط إيران في الصراع القائم شمال غرب اليمن, معتبرًا أن تغطية الإعلام الإيراني للصراع الدائر في اليمن تخدم مصلحة المتمردين الحوثيين. وفي جلسة البرلمان 4 أكتوبر اعتبر النائب علي العمران ما يدور في صعدة "امتدادًا لحرب الستينيات". وقال: "إن عين الحوثي على صنعاء"، متسائلًا عن "أسباب سقوط أسلحة ثقيلة في يد الحوثيين، وهو ما لم يحصل في الحروب الأولى مع الإماميِّين". ميدان ملتهب.. ومشاكل تتوسع وعلى صعيد الميدان، ينقل الإعلام الرسمي يوميًّا مقتل العشرات من الحوثيين في مختلف جبهات القتال، فيما يردُّ المتمردون بالتقليل من التصريحات الرسمية، ويبثون مقاطع تليفزيونية مسجلة لبعض الأسرى والمواقع التي يقتحمونها. غير أن أسئلةً كبيرة بدأت تطرح ذاتها في هذه الحرب التي تزداد ضراوتها بين الجيش والحوثيين، مع تجاوز النازحين في هذه الحرب 150 ألفًا وفقًا للمنظمات الدولية العاملة في اليمن. ومع تقدُّم الجيش في بعض المواقع بمنطقة حرف سفيان وبقية مديريات صعدة وقدرتهم بالسيطرة على بعض المواقع، إلا أن وجود تقصير مستمر وعدم تخطيط لمرحلة ما بعد الاستيلاء على المواقع الحساسة بعد تقدُّم الجيش يحول دون تقدُّمِه المستمرّ؛ فمعظم الأسرى الذين اعتقلهم الحوثيون يشيرون في تصريحاتهم إلى أن السبب الرئيس لأسرِهم هو انقطاع الإمدادات الخلفية من الماء والغذاء والذخيرة والاتصالات مع قيادة الوحدات والكتائب. ويمثل حصول الحوثيين على بعض الأسرار والمعلومات لتحرُّك الجيش والوحدات العسكرية في بعض المواقع إشارة إلى وجود اختراق للجيش، خصوصًا وأن هناك قياداتٍ عليا في السلطة بالجهاز المدني والعسكري لها ارتباطٌ وثيقٌ بالحوثي من حيث تأييد الفكرة أو الانتماء الأسري، وهذه النقطة الحساسة أحد أسباب تفوق الحوثي في هذه المعركة. ويشير سقوط طائرة "ميج" العسكرية وحصول الحوثيين على وثائق الطيار، وحديث أحد قياداتهم الميدانية في سؤال موجَّه إليه عن علمهم بموعد إقلاع الطائرة ليجيب عليهم: "لا تعليق"، يشير إلى وجود تواطؤ وتسريب معلومات من داخل الجيش للحوثيين وهو ما مكَّنهم من إسقاط الطائرة. على أن خطاب الرئيس في 26 سبتمبر عن إنشاء مكتب لرعاية أُسر الشهداء وإعلانه بأن النظام مستعدٌّ لتقديم بحر من الدماء يكشف عن توجُّه الحكومة للاستمرار في المعركة مع غياب استراتيجية واضحة لإدارة المعركة مع عصابات متمرِّدة تستفيد من الأرض وأخطاء الجيش المتكررة. إلا أن استمرار الجيش في الزجِّ بأفرادِه في حرب عصابات مع متمردين دون تغييرها سيزيد من فداحة الخسائر الوطنية، فيما يستفيد الحوثيون من هذه الأخطاء لتصبحَ بالنسبة لهم مصدر قوة تتعاظم مع مرور الأيام. ومن غير المنطقيِّ أن تتغلب عصابة على دولة، إلا إذا كانت هناك حسابات غير وطنية وتصفية حسابات أسرية داخل السلطة وتهييج الخارج للاستفادة من المخاوف في تحقيق مصالح ذاتية. ويقول متابعون: إن قوة الحوثي تكمن في أخطاء السلطة، وإذا وجدت إرادة سياسية حقيقية تبتعد عن استخدام حرب صعدة ضمن كروت لطالما لعبت بها السلطة فإنها تستطيع القضاء على الحوثي وإنهاء تواجده أو على الأقل تحجيمه. المصدر: الاسلام اليوم