تحتاج مصر إلى دستور يتمتّع بالشرعية والقدرة على الاستمرار من أجل تخطّي الانتكاسات التي لا بد من مواجهتها في الطريق الطويل نحو ديمقراطية صحيحة وفعلية، والتخلّص من تقليد سياسي سلطوي حيث كانت القوانين تتعرّض لتلاعب وقح وعنيف بهدف قمع المعارضين. ومن هنا، سوف يشكّل تحدّي بناء إجماع حول الخطوط العريضة لهذا الإطار القانوني أساس عقد اجتماعي جديد في مصر بعد مبارك، وكي يصمد الدستور المصري الجديد أمام اختبار الزمن، لاتجوز كتابته بين ليلة وضحاها. يوجد تعرض شديد في بعض مواد أللدستور بسبب سوء استخدام السلطة من خلال تفصيل نصوص بعينها ومنها علي سبيل المثال مادة ( رقم 227 التي تقول ( كل منصب حدد له الدستور مدة تنتهي ببلوغ صاحبها سن 60 سنة أو تنتهي بصدور هذا الدستور أو من تاريخ شغل هذا المنصب أيهما اقرب وهذه المادة تقول ( لرئيس الجمهورية يستمر في منصبة 4 سنوات ) وهاتان المادتان متعارضان أن الدستور يجب ألا يكون خاضعا لأي مساومات أو ضغوط وأن يكون انعكاسا لمطالب ثورة 25 يناير، والتي تتمثل في شعارها "عيش .حرية.عدالة اجتماعية"، بضرورة ان يتضمن الدستور الجديد نقاء جنسية المترشح للانتخابات الرئاسة حماية لمنصب الرئيس انه يجب التركيز علي نقاء الجنسية كأساس لعائلة الرئيس كأحد شروط الترشح ينبغي ان يؤكد النص منع من يحمل أبناؤه جنسية غير مصرية من الترشح, نظرا لأن الأبناء مفترض أنهم لن يحصلوا علي جنسية أخري إلا بموافقة أبيهم, الذي يفضل في هذه الحالة جنسية أخري علي الجنسية المصرية, وبالتالي يفقد شرطا من شروط الترشح, إلا أن اللجنة التأسيسية للدستور رفضت ذلك تماما في إسقاط علي حمل أبناء الرئيس محمد مرسي الجنسية الأمريكية كما انتهاك واضعي "دستور الثورة" مسلك حرمان العمال والفلاحين من الترشح للبرلمان، حيث تنص المادة 113 من المسودة الأولية للدستور على ضرورة أن يكون المترشح لمجلس النواب "الشعب" حاصل على شهادة إتمام التعليم الأساسي على الأقل، وهذا النص سوف يترتب عليه منع الفلاحين والعمال من الترشح بما يُعد انتقاص من حقوقهم المشروعة أن مشرع الدستور لم يشترط هذا الشرط، أو يضع هذا القيد بالنسبة لرئيس الجمهورية؛ حيث لم يرد في المادة 135 التي تبين الشروط الواجب توفرها فيمن يحق له أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية تطلب أن يكون حاصل على أي مؤهل دراسي فكيف يقبل أن يكون رئيس الجمهورية غير حاصل على أي مؤهل!، ويشترط ذلك بالنسبة لعضو مجلس الشعب أن هذا القيد يتعارض مع نص المادة 51 من ذات الدستور والتي نص على أن لكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي، فكيف ينص على هذا ثم في نص آخر يحرم عدد ليس بالقليل من حقه في الترشح، وإذا كان من حق المشرع الدستوري تنظيم الحقوق، ولكن ليس من حقه الحرمان من الحقوق بشكل كامل، ولاشك أن هذا القيد يخالف مبادئ العدل والإنصاف ويضر بما يقرب من نصف عدد السكان حسب الإحصائيات المنشورة عن نسبة الأمية في مصر، أن هناك نصوص تم فرضها من قبل لجنة الصياغة على اللجان النوعية المختصة، فضلا عن النصوص التي أقحمت على الدستور بغير أن تمر على اللجان النوعية فلم تناقش في اللجان المختصة ومن هذه النصوص؛ نص المادة 212 فى باب الأجهزة الرقابية والمستقلة، فقد ذكرت المادة أن الانتخابات خلال 10 سنوات تخضع للإشراف القضائي الكامل، وذكر النص أن الاقتراع والفرز يكون تحت إشراف أعضاء سلطة قضائية. أن قصر الإشراف خلال العشر سنوات الأولى على أعضاء من سلطة قضائية يعتبر هذا انتقاص من حقوقهم وحرياتهم (تنازلاً مقننا وفى إطار رقابة جهة تمثل مصالح الأفراد) لصالح المجتمع أو ما درج الفقهاء القانونيين على تسميته بالصالح العام ولكن يظل الاستبداد هنا وسيلة من وسائل المجتمعات في تكريس احترام القانون وحسن تطبيقه،عن طريق إعطاء بعض الأفراد (السلطة) الحق في الاعتداء على حقوق الأفراد من أجل حماية مصالح المجتمع. فلا ينكر أحد أن الطبيعة المتلازمة بين السلطة والاستبداد،ولا يجادل أحد أن أعتى النظم الديمقراطية تمارس الاستبداد ، ولكن ان يتحول الاستبداد إلى طريقة للحكم ومنهج عمل من خلال الانظمه والقوانين تعبر عن سيطرة طبقة ونخبة حاكمة،وهو أمر بديهي فكل قوى اجتماعية تحاول قدر طاقتها أن تعتبر الدولة (ممثلة في القانون عنها وعن مصالحها). ولذلك فأن كل تعديل يطرأ على المنظومة التشريعية يعبر عن طبيعتها المزدوجة الاستبدادية والطبقية.فالطبيعة الاستبدادية للسلطة تتشعب لتصل لتفاصيل الحياة اليومية للمواطنين ،ولا يقتصر الاستبداد هنا على السلطة بالمعنى الضيق (الحكام) وإنما يمتد هذا الاستبداد إلى النخبة حيث يصبح الاستبداد جزء لا يتجزأ من ممارسة العمل العام ،حيث أن هذه الطبيعة المزدوجة للسلطة تأتى في ظل نظام سياسي وقانوني لا يمثل سوى النخبة الحاكمة سياسياً/اجتماعيا،فلا يوجد تمثيل للمواطنين حقيقي في السلطة سواء في السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو السلطة القضائية، وغنى عن البيان أن فاعلية أي نظام ديمقراطي حقيقي هو بفاعلية تمثيل الشعب بجميع فئاته في السلطة،وهو الأمر الذي يضمن حيادية الدولة تجاه انتماءات مواطنيها،وهو الأمر الذي تفتقر إليه دولة الاستبداد حيث تحرص على الهجمات التشريعية على فترات تطال الدستور نفسه وغيره من القوانين المتعلقة بحريات المواطنين (مثل قانون الإرهاب ترسيخا لقانون الطوارئ وتوسيعا لإطاره وغيره . والهيمنة الدستورية الخاصة على الحقوق والحريات لاعتبارات عديدة منها الطابع الاستبدادي للسلطة،وإضعاف قدرة المواطنين على مواجهة غول السلطة بحيث تصبح النصوص التي تكفل وتصون بعض الحقوق والحريات هي حماية ظاهرية وغير حقيقية وتنتهكها السلطة بشكل منهجي وقانوني من خلال آليات عديدة أهمها: البنية التشريعية الاستبدادية بالتحصن خلف ترسانة عتيدة من التشريعات الاستبدادية( البنية التشريعية الاستبدادية) والتي تتيح لها انتهاك ما نص عليه الدستور من حماية للحقوق والحريات،و كافة نواحي تنظيم الحياة العامة وعلاقاتها بالمواطن التي تعكس نهج السلطة الاستبدادي في السيطرة على الشأن العام. انتهاك الدستور بالدستور وذلك من خلال النص على نصوص دستورية متعارضة ومتناقضة مثل التعارض والتناقض بين الحقوق المقررة دستوريا للمواطنين وبين الاستثناء منها بموجب الدستور . الانتهاك بالتجاهل الانتهاك المنهجي المقنن بتجاهل النصوص الجنائية المنصوص عليها بالدستور مستغله في ذلك انعدام الرقابة الشعبية عليها،ومن ذلك عمليات قتل وتعذيب المواطنين في المراكز الأمنية حتى تطال أقسام الشرطة ،وغيرها من الأعمال الغير المشروعة للسلطة والتي تنكرها رغم أنها واقعاً معاشاً يعيشه المواطن يومياً. الأمر الذي يوجب أن تكون هناك رؤية شرعيه للحقوق والحريات شاملة الحقوق المدنية والسياسية وكذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كاملة وخاصة الحق في المواطنة والحق في التنظيم والحق في حرية الرأي والتعبير. مواد الصحافة إعادة إنتاج لتبعية الصحافة للنظام الحاكم، مع نزع كل المكتسبات التي حققها الصحافيون في العهد السابق إن «المادة 215 التي تتيح للمجلس الوطني للإعلام تنظيم شؤون الصحافة، ما هي إلا إعادة إنتاج للمجلس الأعلى للصحافة من جديد، كنا نطالب بمجلس وطني مستقل لكننا فوجئنا بتبعيته للسلطة التنفيذية، وهو نفس الوضع الذي تكرر في المادة 216 الخاصة بإدارة الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام للمؤسسات الصحافية القومية، هاتان المادتان تؤكدان تبعية الصحافة للنظام بشكل أكثر ضراوة». *دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]