شكّل اعتقال عدد من كبار المثقفين والحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمناضلين السياسيين في سورية صدمة كبيرة لكثير من السوريين والمراقبين. التهمة هي التوقيع على بيان دمشق - بيروت الذي ترى فيه السلطة السورية تحريضاً على الوطن ومساً بهيبة الدولة وأمنها وهي جرائم تصل عقوبة من يرتكبها إلى حد الإعدام! لم أشأ أن أكتب هذا المقال قبل قراءة البيان ولقد شعرت في أثناء قراءته بأنني أمام مجموعة من المثقفين السوريين واللبنانيين الشجعان الذين رأوا العلاقة التاريخية بين الشعبين السوري واللبناني تتعرض للخطر بسبب التجاذبات السياسية المتصاعدة بين أصحاب القرار في البلدين فتحملوا مسؤوليتهم التاريخية وعبروا عن رؤيتهم لمستقبل سورية ولبنان ولمستقبل العلاقة بينهما. لقد تحدث الموقعون عن التحكم الأمني الذي مارسته سورية في لبنان بعد الحرب الأهلية وعن "ضرورة المراجعة النقدية المشتركة لتلك الفترة"، ألم يعترف المسئولون السوريون وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد بأن سورية "ارتكبت أخطاء في لبنان"!؟ وتحدث الموقعون عن ضرورة "ترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين" ألم يذكر الوزير المعلم أكثر من مرة أن سورية لا مانع لديها من ترسيم الحدود وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين!؟ ألم تلاحظ السلطة السورية البند الأول من البيان الذي ينادي بِ "احترام وتمتين سيادة واستقلال كل من سوريا ولبنان في إطار علاقات ممأسسة وشفافة تخدم مصالح الشعبين وتعزز مواجهتهما المشتركة للعدوانية الإسرائيلية ومحاولات الهيمنة الأميركية. وإننا ندعو في هذا المجال إلى إرساء تلك العلاقات على أسس نابذة لمشاريع الإلحاق والاستتباع من جهة والاستعلاء والتقوقع والقطيعة من جهة أخرى" أليس في هذا البند تأكيداً على ما تطالب به سورية من ضرورة حفاظ لبنان على هويته العربية المقاومة وعدم اندراجه في المخططات الأمريكية والصهيونية؟ ألم تلاحظ السلطة السورية ما جاء في البيان "ويعلن المشاركون السوريون واللبنانيون معاً تمسُّكهم الحازم بالحيلولة دون أن يكون لبنان أو سوريا مقراً أو ممراً للتآمر على البلد الجار والشقيق أو على أي بلد عربي آخر" أليس هذا ما تطالب به السلطة السورية ليلاً نهاراً!؟ أعتقد أن السلطة السورية ارتكبت خطأً كبيراً فيما قامت به من اعتقالات، وخصوصاً في هذا الوقت الذي تُتهم فيه باغتيال خصومها السياسيين (اعتقال المعارضين بتهمة التآمر على الوطن شكل من أشكال الاغتيال السياسي) وكنت أتمنى من السلطة السورية بدلاً من أن تستضيف هؤلاء المثقفين في أقبية سجونها أن تستضيفهم في مناظرة علنية على شاشة التلفزيون السوري لتقيم الحجة عليهم وتحمي السوريين من الانسياق وراء أفكارهم وأطروحاتهم إن كان فيها حقاً ما يضر بأمن الوطن ومصلحته!