محافظ الشرقية يُهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر المجيد    وزير الاتصالات يبحث مع البنك الدولي مشروعات التعاون المشترك في مجال تطوير البنية التحتية وبناء القدرات الرقمية    لافروف: أمريكا لم تدن هجوم إسرائيل البري على لبنان بل تشجع توسيعه    وزير الخارجية ونظيره السعودي يبحثان هاتفيا جهود وقف العدوان الإسرائيلي في المنطقة ويحذران من استمرار التصعيد    خبير: بعض اتهامات القرصنة بين أمريكا والصين غرضها «الدفاع»    روسيا تعلن نشوب حرائق في مستودعات وقود بعد هجوم أوكراني مزعوم بمسيرات    أخبار الأهلي : مصطفى شوبير يستغل الإجازة ويعلن عن مفاجأة سعيدة    ين المبدعين والراحلين.. مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم رموز الإبداع والنشاط الفني    تراجع أسعار الحديد اليوم الجمعة 4-10-2024 بالأسواق.. كم يسجل الطن الآن؟    بالأرقام.. نتائج فحص حالات لسيارات ذوي الهمم خلال السنوات الثلاث الماضية    مياه سوهاج تكرم أبناء العاملين المتفوقين دراسيًا    4774 فرصة عمل بالمحافظات - التخصصات وطرق التقديم    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيد البدوي بطنطا    مع بدء موسم العمرة.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه في أكبر 5 بنوك    عضو مجلس الشرق الأوسط للسياسات: إسرائيل تبحث عن مكاسب وهمية في لبنان    اجتماع رؤساء القرى بميت غمر في الدقهلية لمناقشة ملف التصالح (صور)    عاجل.. أول رد من الأهلي على عقوبات مباراة بيراميدز.. طلب خاص لاتحاد الكرة    أبرزها تجاوز السرعة.. ضبط 31 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    بالصور- ضبط 4.5 طن لحوم ودواجن فاسدة بالمنوفية    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة أصحاب السيارات بالجيزة    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    الجمهور يغادر العرض الافتتاحي لفيلم الرعب Terrifier 3 لهذا السبب    عادل حمودة: أحمد زكي كان يندمج في التمثيل إلى درجة المرض النفسي    مسلسل برغم القانون الحلقة 16.. هل تعثر ليلى على مكان أولادها؟    دار نشر صينية تهدي معهد كونفوشيوس بجامعة القاهرة 350 كتابا من إصداراتها    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    واعظ بالأزهر: «الوسطية» منهج رباني لإصلاح أحوال الناس    الصحة: فرق تفتيش تتفقد مستشفى سفاجا المركزي وتوجه بتوفير نواقص الأدوية    ضمن «حياة كريمة».. فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    حملة للتبرع بالدم في مديرية أمن البحر الأحمر لإنقاذ حياة المرضى    إجراء 7 عمليات جراحية بمستشفى الفشن ببني سويف    محمد رمضان: سهر لاعبي الأهلي؟ متاح في حالتين    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    في يوم الابتسامة العالمي.. 5 أبراج تحظى بابتسامة عريضة ومتفائلة للحياة    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    تحقيق عاجل في مصرع وإصابة 7 في انقلاب سيارة ميكروباص بطريق مصر إسكندرية الصحراوي    منتخب السويس يضم لاعب غزل المحلة    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    «التموين» ترفع سعر هذه السلعة على البطاقات.. التفاصيل    بحضور وزير الأوقاف.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيد البدوي    القناة الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في الدوري المصري "سيدات"    اللجنة الأولمبية الجزائرية: ما يحدث مع إيمان خليف حملة ممنهجة    المركز الأفريقي للسيطرة على الأمراض: تسجيل 866 حالة وفاة ب"جدرى القرود"    ارتفاع أسعار البيض اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    حقيقة نفاد تذاكر حفلات الدورة 32 من مهرجان الموسيقى العربية.. رئيس الأوبرا ترد؟    جيش الاحتلال يطالب سكان أكثر من 20 بلدة جنوب لبنان بالإخلاء    لازم يتجوز.. القندوسي يوجه رسائل إلى كهربا لاعب الأهلي (فيديو)    ايه سماحة تكشف مفاجأة بخصوص نهاية مسلسل «عمر أفندي»    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    لاتسيو يسحق نيس ويتصدر الدوري الأوروبي    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    دعاء يوم الجمعة.. تضرعوا إلى الله بالدعاء والصلاة على النبي    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    قتلوا صديقهم وقطعوا جثته لمساومة أهله لدفع فدية بالقاهرة    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    رسمياً.. فتح باب تسجيل تقليل الاغتراب جامعة الأزهر 2024 "الرابط الرسمي والخطوات"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر أعطت سرها لمحمد عودة .. جلال عارف
نشر في المصريون يوم 19 - 06 - 2005


أرفع الجوائز الصحافية في مصر هي الجائزة التي تمنحها نقابة الصحافيين كل عام لواحد من كبار الصحافيين البارزين في المهنة، والمشتبكين مع الهموم الوطنية، المدافعين عن الديمقراطية والحريات، وقد ذهبت الجائزة هذا العام إلى الكاتب الكبير محمد عودة. ليكون نجم احتفال هذا العام بيوم الصحافي الذي يحتفل فيه الصحافيون المصريون بذكرى وقفتهم ضد قانون غاشم صدر قبل عشر سنوات لفرض القيود على الصحافة ونجاحهم في إسقاطه.بعض الجوائز تضيف لمن يحصلون عليها، وبعض الفائزين بالجوائز يضيفون الكثير لقيمة الجائزة التي يحصلون عليها، ومن هؤلاء محمد عودة. فالرجل ورغم كل تواضعه أكبر من كل الجوائز، والقيمة الحقيقية لهذا الحدث هي التأكيد على قدرتنا عندما نريد على أن نعيد الأمور لنصابها.فوز عودة بالجائزة هذا العام هو انتصار لكل القيم الشريفة التي دافعت عنها أجيال من المثقفين المصريين، وحملها الرجل في رحلته الطويلة مع الصحافة والثقافة والفكر والسياسة على مدى أكثر من ستين عاماً من عمره المديد إن شاء الله . والذي تجاوز فيه الثمانين، ومازال الأكثر شبابا والأشد إيمانا بمستقبل مصر ومستقبل العرب.الصحافي فيه هو الباحث دوما عن الحقيقة، صاحب الأسلوب الذي يأخذك من أول كلمة إلى النهاية دون حشو أو استطراد، هو الأستاذ الذي تخرجت على يديه أجيال من الصحافيين، هو أول رئيس تحرير لصحيفة «الأهالي» الناطقة باسم التجمع. هو فاتح الطريق لكل جديد، المحتفي على الدوام بكل موهبة، الطارق لأبواب المعرفة حتى الآن وكأنه تلميذ في أول الطريق.المثقف فيه هو ذلك القادم من تراب ريف مصر ومن ثقافة الأزهر، إلى رحابة العالم. لم يكتف بالاطلاع على ثقافة الغرب أو معايشتها. ولكنه رأى المستقبل على الجانب الآخر، ذهب إلى الهند وعاش فيها وتعمق في دراستها، وأصبح خبيرا بدقائق حياتها السياسية والثقافية، وكان أول من قدم لمصر والعرب هذا المارد القادم من أرض الصين بعد ثورتها. ومن عناق الشرق والغرب كانت روحه الإنسانية التي تآلفت مع حقيقة مصر كواسطة للعقد وملتقى لثقافات العالم. والمناضل فيه لم ينتظر يوما ثمنا لنضاله، آمن بالتجربة الناصرية وكان واحدا من أبرز المقاتلين في ساحتها، فلم يتطلع لمنصب ولم يسع لمكسب شخصي، ولم يتخل عن مبدأ، ولم يتقاعس في الدفاع عن حق من اختلف معهم في التعبير عن آرائهم، ودفع هو الثمن ولم يندم. وعندما تغيرت الأحوال بعد رحيل عبدالناصر ظل صامداً في وجه أبشع الحملات التي استهدفت الثورة وقائدها، والعروبة وطريقها. وفي الوقت الذي انشغل فيه الكثيرون بتغيير جلودهم، وآثر آخرون الصمت، وسعى غيرهم إلى السلطة الجديدة، وقف عودة وقد أدرك حجم المخاطر وكأنه كتيبة بأكملها يقاتل. ويفضح الأكاذيب، ويكشف الحقائق، وينبه لأشد حملات تزوير التاريخ التي كانت أطراف في الخارج والداخل تقوم بها. وسيظل رده على كتاب توفيق الحكيم «عودة الوعي» نموذجاً في شرف الكلمة ووضوح الموقف في أصعب الأوقات. ويصب تتبع أكثر من ستين عاما من النضال في صفوف قوى الحرية والتغيير. ومن العمل الدؤوب كاتبا وصحافيا مهموما بقضايا الوطن وبتاريخه، ومثقفا هو علامة بين المثقفين المصريين والعرب، فهو المقاتل في صفوف ثورة الجزائر وهو المناضل مع ثوار اليمن، وهو حامل الهم القومي على مدى عمره الطويل، وهو الذي مازالت الدموع تترقرق في عينيه كلما جاء ذكر القدس الأسيرة. وهو الذي رغم الهزائم والنكسات لم يفقد إيمانه لحظة واحدة بأن مصر ستنهض من كبوتها لتقود أمتها العربية نحو التحرر والنهوض.في منزل من غرفتين صغيرتين يعيش الرجل وتلتقي مصر كلها في رحابه، مثقفون من كل الاتجاهات يجمعهم رباط واحد أنهم دراويش في عشق الوطن. وأجانب من ثقافات مختلفة جاءوا إلى القاهرة بنصيحة مخلصة: إذا لم تذهبوا إلى حيث عودة، فستظل معرفتكم بمصر ينقصها الكثير.وعلى مكتب صغير مازال الراجل مشتبكا مع الحياة ومع قضايا الوطن، وإياك أن تبحث عن شيء من مؤلفاته فلن تجد الكثير منها. وبعضها موجود في المكتبات، ولكن بعضها اختفت طبعاته رغم أهميته التاريخية. كتابه التاريخي عن «الصين الشعبية» قبل أكثر من خمسين عاما والذي قرأه عبدالناصر وهو مازال مخطوطا وبعد أن اعترضت الرقابة عليه وأجازه على الفور لن تجد نسخة منه. كتابه العظيم عن ثورة يوليو «ميلاد ثورة» والذي كان المرشد والمعلم الأول لأجيال من شباب مصر تفتح عيونهم وعقولهم في وقت اشتدت فيه الحملات لتقود هذه الأجيال إلى ضياع لا توجد منه نسخة واحدة. كتابه الذي كان أشبه بطلقات الرصاص في الرد على «توفيق الحكيم»، لا يتوافر في المكتبات. والأمر يحتاج إلى مشروع قومي نعيد فيه ترتيب أولوياتنا، ونطرح للأجيال الجديدة تراثنا الفكري الحديث، وتاريخنا الحقيقي ضمن برنامج يدرك أن العقل العربي لا يمكن أن يعانق العصر وأكثر مطابعه مشغولة بكتب عن عذاب القبر وعن زواج الجن! والحديث عن عودة يحتاج إلى كتب، وليست هذه إلا رسالة محبة في رحاب هذا الصوفي العظيم في حب مصر. رسالة تتوقف عند بعض الملامح لعل أجيالا تتعرض الآن لما يريد طمس هويتها أن تعود مع عودة، وفي رحابه، إلى حيث يمكنها رؤية الطريق الصحيح بوضوح والسير فيه بثقة.في رحابه تعلمنا أن الرجل موقف، وأن القلم مسؤولية، وأن كل شيء في الدنيا لا يساوى لحظة صدق مع النفس. وفي رحابه تعلمنا ألا نفقد الأمل مهما كان سواد الليل. فالفجر قادم، والحرية لابد أن تنتصر، وإرادة الناس لابد أن تفتح كل الأبواب المغلقة.وفي رحابه تعلمنا أن الوطن يكون حرا بمقدار ما يكون المواطن فيه حرا كريما. وتعلمنا أن سعادة الإنسان هي الغاية من كل كفاح. وفي رحابه تعلمنا أن عشق الوطن لا يكون بالأغاني والأناشيد، ولكن بالعمل الصالح وبالكلمة الشريفة وبالإيمان العميق بقدرة هذا الوطن على النهوض والتقدم.وفي رحابه تعلمنا أن نسلك الطريق الصعب ولا نخشى شيئا وأن ننحاز إلى العدل والحرية مهما كانت التضحيات. وأن ندرك أننا أصحاب حضارة عظيمة قامت على التسامح وانفتحت على العالم واستطاعت أن تبدع للبشرية أعظم انجازاتها حين امتلكت الرؤية وعرفت الطريق وآمنت بالعلم طريقا للتقدم. وفي رحابه مازلنا نتعلم، فحين داهمته الأزمة الصحية العنيفة تحول المستشفي الذي نزل به إلى ساحة التقت فيها مصر كلها لتعبر له عن حبها وتقديرها. وأدركنا جميعا أن الحقيقة لا تضيع أبدا مهما تعالت أصوات الزيف والبهتان. وفي رحابه ما زلنا نتعلم، فمازال الرجل رغم آثار السنين يفرح كطفل بكتاب جديد، ويسعد من القلب بنجاح شاب صغير طرق بابه ذات يوم يطلب المعرفة وينشد نصيحة الأستاذ. واليوم والصحافيون والمثقفون يحتفلون بالرجل ويحتفلون معه بكل ما يجسده من قيم نبيلة . فإنهم يعلمون أن كل جوائز الدنيا تهون أمام الجائزة الكبرى التي حصل عليها عودة من قبل حين أصبح واحدا من قلائل في تاريخ المحروسة، أعطتهم مصر سرها فأصبحوا جزءا من روحها التي تشع بالنور وتزهو بالعطاء. ------- صحيفة البيان الاماراتية في 19 -6 -2005

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.