يبدو أن الهجوم على فشل سياسية التعليم فى مصر كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بوزير التعليم السابق حسين كامل بهاء الدين .. أو طبيب الأطفال الذى خرب التعليم وحوله إلى حقل تجارب فاشلة .. فلم نعد نسمع أو نقرأ أى نقد أو معارضة حول فشل التعليم فى مصر .. فهل استطاع الوزير الجديد حل مشاكل التعليم المستعصية على الحل ، والنهوض به إلى مصاف الدول المحترمة ؟؟ بكل تأكيد لم يحدث شىء من هذا على الإطلاق .. فكل شىء على حاله .. ومع ذلك فلا الوزير الجديد يتحدث .. ولا أحد من دعاة الإصلاح يتحدث .. الكل يلتزم الصمت كأن المشكلة كانت فى شخص بهاء الدين وليس فى العملية التعليمية ذاتها .. ويبدو فعلا أن الهجوم على بهاء الدين لم يكن فى الغالب بسبب فشل سياسته .. وإنما يرجع فى الغالب إلى مواقف بهاء الدين الأيدلوجية حول مطاردة الحجاب والنقاب واللحية ، والحروب العنترية والكلامية التى كان يخوضها على صفحات الصحف والقنوات التليفزيونية ضد ظاهرة الدروس الخصوصية وغياب الطلبة عن الحضور والغاء السنة السادسة وتخفيض القبول فى سن الحضانة ، وربما أيضا بسبب القرارات الغريبة التى كانت ترسم للوزير السابق صورة كاذبة لصانع نهضة تعليمية فى مصر . لكن الحقيقة أن التعليم فى مصر واقصد الحكومي .. قد انتهى تماما .. ولم يبق منه سوى الصورة الرسمية المتمثلة فى مباني ضخمة وادارات تعليمية ولجان وامتحانات ومكاتب تنسيق إلى آخره .. لكن لاتسألنى عن المدرسة والمدرس والطالب والكتاب الوزاري .. فكل تلك العناصر قد انتهت تماما أو اوشكت على الزوال .. فدور المدرسة فى العملية التعليمية قد انتهى وحلت محلها المجموعات الدراسية التى كان يفاخر بها وزير التعليم السابق .. حتى اننى استطيع أن اقول بأنه لايوجد طالب فى مصر كلها الآن لايأخذ درسا خصوصيا أو مجموعة دراسية .. تلك المجموعات التى تدر على كبار المسئولين فى مصر اموالا طائلة لايعرف قدرها إلا الله ثم المستفيدون منها .. وتلك ظاهرة ربما تنفرد بها مصر عن باقى دول العالم . ومن الظواهر التى نشأت وتفاقمت فى عهد الوزير السابق .. والتى تنفرد بها مصر أيضا .. ظاهرة غياب أو تغيب الطلبة والطالبات عن الحضور إلى المدارس باعتبارها وقتا مهدرا يمكن استغلاله فى النوم استعدادا لحضور المجموعات الدراسية التى تمتد احيانا حتى الثانية صباحا .. وكان المعتاد سابقا أن يزداد تغيب الطلبة عن المدارس فى الشهر الأخير الذى يسبق الإمتحانات .. لكن فى الأعوام الأخيرة أصبح التغيب عن الدراسة منذ اليوم الأول فيها .. والطالب الذى يفشل فى الحصول على واسطة أو شهادة صحية مزورة للتغيب عن الدراسة .. لايذهب إلى المدرسة إلا من أجل الحضور والإنصراف فقط .. ولقد أراد الوزير السابق أن يتغلب على هذه المشكلة المتفاقمة .. ففتح الباب أمام الوحدات الصحية لتمنح الطالب كل شهر ثلاثة ايام .. فازدحمت الوحدات الصحية بطوابير الطلبة والطالبات .. ثم عاد واخترع حكاية وقف وإعادة القيد .. وفتح باب الإمتحان من منازلهم .. ثم اكتشف أن غالبية الطلبة لجأوا إلى هذا الأمر وخلت المدارس من الطلبة ومازالت هذه الظاهرة موجودة حتى هذه اللحظة . ومن التعليم الثانوي إلى التعليم الجامعي ياقلبي احزن .. فالحكومة قد وجدت ضآلتها فى فتح الباب أمام التعليم الجامعي الخآص .. وكليات ومعاهد تحمل اسماء ضخمه .. لاتعبر مطلقا عن الحال المزري الذى وصل له التعليم فى تلك الأكاديميات والمعاهد .. اذكر لكم اننى ذهبت مع ابني لتقديم أوراقه إلى احدى الأكاديميات .. وقد اسقط فى يدي وأنا استمع إلى مسئول الأمن فيها وهو يحكي كيف انه يبذل جهودا كبيرا فى اقناع الطلبة والطالبات لحضور المحاضرات .. ثم اخذ يحكي لنا عن مميزات هذه الأكاديمية .. ووجود صالة للجيمنزيوم وحمام للسباحة .. وعندما نظرت إلى مجموعة من الطالبات وهن يرتدين ملابس فاضحة .. وطلبة يضعون فى اعناقهم سلاسل ذهبية .. قلت له الحقيقة أن هذه الإكاديمية ينقصها أيضا صالة ديسكو وصالة قمار .. فضحك . والآن لماذا يصمت الجميع عن فشل الحكومة الذريع فى العملية التعليمية فى مصر .. مع أن التعليم هو مستقبل الأمة وحجر الزاوية للنهضة فى شتى مناحيها .