الحسابات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة.. هذه الحقيقة البسيطة يبدو وكأنها في حاجة إلى إعادة اكتشاف مرة أخرى للعديد من الأطراف الفاعلة في الحياة السياسية المصرية، وتتوازى مع هذا الاكتشاف الغائب عن أذهان العديدين حقيقة أخرى تقول إن القراءة الخاطئة للواقع يمكن أن تؤدي الى نتائج كارثية، المشكلة أن بعض القوى السياسية ترفض قراءة التاريخ وتتجاهل أخطاءً رئيسية وقعت فيها من دون أن تحاول التعلم منها. قوى سياسية عدة في الساحة المصرية قرأت الواقع السياسي المحيط قراءة خاطئة، فحشدت قواتها أو حددت مواقفها، اعتقاداً منها بأن الظرف العام والخاص يتغير، وان هذا التوقيت هو التوقيت المناسب لها لعرض نفسها كبديل جاهز أو قابل للتجهيز في المرحلة المقبلة، وقعت في هذه القراءة الخاطئة قوى سياسية مختلفة من اليمين واليسار، ومن اللايمين واللايسار، ولذلك لم يكن غريباً أن تخرج علينا لافتات مكتوبة باللغة الإنجليزية في شوارع القاهرة تنادي بالحرية. ومن بين الأطراف التي سقطت في فخ القراءة الخاطئة للواقع، كانت جماعة الاخوان المسلمين، ويبدو أن حالة الانشقاق التي بدت ملامح معاناة الجماعة منها مؤخراً، هي نتيجة لهذه القراءة الخاطئة، وللتفسير أذكر التالي: المعلومات المتاحة تؤكد أن لقاءات تمت بين قيادات داخل الجماعة وشخصيات فاعلة أو كانت فاعلة في إدارات غربية وأمريكية، وأن هذه اللقاءات تمت تحديداً في تركيا والأردن، وتزامن هذا مع تصريحات لمسؤولين أيضاً غربيين وأمريكيين تعطي إشارات إلى أن الحوار والتعاون مع تيار الإسلام السياسي داخل المجتمعات العربية سواء كانت هذه التيارات شرعية أو غير شرعية باتت ممكنة، هذه اللقاءات المتعددة أطلقت العنان لغزل إخواني أمريكي، وإخواني أوروبي، وهذه اللقاءات التي تشير اليها المعلومات يمكن أن تكون تفسيراً لمنع البعض من السفر والإصرار عليه مع بعض قيادات الجماعة، وهذا الغزل هو أيضاً كان التفسير لذلك التصعيد من جانب الاخوان في المرحلة الماضية، ظناً بأن هذا هو الوقت المناسب للتحرك. هذه التحركات هي التي سببت الصدام بين النظام والجماعة. والحملة التي شنتها أجهزة الأمن على عناصر قيادية، وهذه الحملة في ما يبدو قد حققت هدفها، حيث دفعت الجماعة أو أجبرتها على وقف التصعيد. هذه المعلومات، السابق ذكرها، ليست سوى دلالة على ما سبق أن ذكرت بأنه قراءة خاطئة للواقع، وهذه القراءة هي التي تنعكس الآن على ذلك الانشقاق الذي تعانيه الجماعة. أنا هنا لا أشير بأصابع اتهام إلى الجماعة، ولكن أنبه الى أن هناك خطأ رئيسيا وقعت فيه الجماعة أو بعض قياداتها بالقراءة الخاطئة لمعطيات الواقع المحيط ، وسبق أن أشرت منذ أكثر من عام إلى أن الصدام قادم بين الجماعة والنظام في مصر، وذلك بسبب مواقف مهدي عاكف المرشد الجديد وقتها، وصاحب المنصب الداخل في مرحلة تنازع عليه حالياً. القريبون من الجماعة يعلمون بمقدمات ذلك الانشقاق منذ فترة، ويتابعون تطوراته، ومقدمته بدأت منذ تولى المرشد منصبه في يناير من العام الماضى، وتأصلت هذه الخلافات مع انفراده بالقرار، كما يعتقد البعض داخل الجماعة. مرة أخرى، الحسابات الخاطئة تؤدي الى نتائج خاطئة، والقراءة الخاطئة للواقع تؤدي إلى نتائج كارثية، وهذه النتائج الكارثية لا تقف عند حدود الجماعات القائمة بها، ولكنها أيضاً تصيب مجتمعاتها. ---- صحيفة الشرق الاوسط اللندنية في 10 -7 -2005