نحن نعيش اللحظة الأرْوع والأهم فى التاريخ المصرى قديمه وحديثه وهذا هو مصدر فرحتنا وبهجتنا – وليس الشماتة فى أحد أو الانتصار لذواتنا وأحزابنا – وإنني أزعم أنه لو تم تبادل الأدوار وتبنى هذا الموقف المُشرف - حرصًا على المصلحة الوطنية - أحزاب وتيارات ناصرية أو ليبرالية أو يسارية لدعمناهم ووقفنا معهم وساندناهم ولشددنا على أيديهم؛ لأن ما يحركنا هو الموقف الوطنى الذى يجعلنا ندور مع مصلحة الوطن حيث دارَت. سر فرحتنا هو انجاز ذلك الدستور الذى منحه الشعب لنفسه للمرة الأولى فى التاريخ المصرى، فلم يُفرض من سلطة ولم تصنعه نخبة ولم ينزل على المصريين من إرادة فوقية قاهرة، إنما أرادَ الشعب ابتداءً الثورة وقررها وقامَ بها، ثم اختار الشعبُ ممثليه فى البرلمان واختار من يضعُ له دستوره، ثم أقرَ الشعب هذا الدستور، لذلك كان أول دستور شعبى بامتياز ينجح المصريون فى إنجازه بعد ثورتهم العظيمة، وهذا هو سر فرحتنا. وما أريدُ قوله للتيارات السياسية وللمعارضين جميعًا أننا كتيار إسلامى اليوم لا نفرح بإنجاز الدستور ليس شماتة فى أحد – عياذًا بالله – إنما نفرح بتحصين هذا الوطن من خلال هذا الدستور من الديكتاتورية والاستبداد من أن تعود مستترة خلف أقنعة أخرى؛ فاليوم صارَ القرار بيد الشعب وصارتْ السلطة بيد الشعب وتم تقليص سلطات رئيس الجمهورية، وصارت هناك ضمانات أكيدة للشفافية والممارسة الديمقراطية السليمة وتداول السلطة والحريات السياسية وحرية تكوين أحزاب بما يتيح مناخًا لمعارضة قوية ومؤثرة وفاعلة. اليوم وفى ظل دستور كهذا لا نخاف – كتيار إسلامي – من أن يُحرز الناصريون أو الليبراليون أو اليساريون أو القوميون أغلبية برلمانية أو أن ينجحوا فى تشكيل حكومة أو أن يصلوا إلى أعلى هرم السلطة ويفوزوا بمنصب رئيس الجمهورية، فالمناخ السياسي الجديد يمنع أي فصيل أو أيّ تيار من الاستبداد بالسلطة، والشعب الذي صارَ هو الرقم الصعب فى المعادلة السياسية الجديدة وصاحب القرار الأول لن يسمح بحال من الأحوال لأحد أن ينتهك مقدساته أو يتطاول على رموزه وثوابته أو أن يتجاوز شريعته، أو أن يسلب حرياته أو أن ينتقص حقوقه السياسية. ونفسُ الفرحة ينبغي أن تحياها جميع التيارات السياسية اليوم؛ فلم يعد هناك مجال لاستبداد أحد بالسلطة، سواء من الإسلاميين أو من العلمانيين، وصارَ الشعب هو صاحب القرار وصارتْ السلطة بيديه. الآن ننطلق جميعًا بعد أو وَعيْنا الدرسَ؛ فالشعب بطوابيره الطويلة التي امتدت لكيلومترات علمَ الذين ظنوا أنهم امتلكوا الشارع بالحشود المليونية والحشود المضادة فى ميادين مصر المختلفة أن الشارع ملك الشعب وهو الذي يُقررُ فى النهاية بحشوده الضخمة أمام صناديق الاقتراع؛ فمن أرادَ النجاح عادَ للقاعدة الجماهيرية العريضة، ليصنع من خلال إسهاماته فى حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الملحة تيارات وقوى سياسية مُعارضة قوية نابعة من هموم الجمهور ومعبرة عن الواقع المصري بصدق، وليست معارضة كرتونية تغذيها أحقاد وثارات تاريخية وتدعمها جهات خارجية لا تريدُ الخير لمصر. الآن – وليس بعد سنة أو سنتين كما فى حال رفض الدستور – حانَ وقت العمل الحقيقي من أجل مصر تحت مظلة الوطنية. ندعم ونثمن الحوار الوطني القائم بين مختلف الفصائل والتيارات برعاية مؤسسة الرئاسة، ونستطيع تجاوز الإساءات التى وُجهت إلينا والظلم الذى وقعَ علينا، ونمد أيدينا بالحوار والتعاون من أجل مصلحة مصر، التى تقضى منا جميعًا التجرد والترفع عن المصالح الضيقة والانتصارات الشخصية الضيقة، وأن يعودَ الجميع للصف الوطنى الأصيل، وأن نشاركَ جميعًا فى رسم ملامح الفترة المقبلة، مُتجاوزين بصبر ورجولة وشهامة كل ما حدث من ممارسات غير مسئولة، ليخرج الوطن من حالة الاستقطاب والانقسام التى كادت أنم تُودى به فى مستنقع دموى. ويومها لم يكن الشعب المهدود والحانق والمختنق من ترهل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ليرحمَ أحدًا. [email protected]