كشفت التصريحات المتكررة الصادرة من اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية عن أن الأجهزة الأمنية حسمت تصورها تجاه أبعاد واقعة انفجارات شرم الشيخ ، حيث ذهبت الرؤية الأمنية إلى أن العملية " محلية " وأنها متصلة بالحادثة التي سبقتها في منطقة طابا الحدودية مع إسرائيل ، وهذا ما عزز من صدقية تحليلات العديد من الخبراء الذين استطلعت "المصريون" رأيهم ، والذين أكدوا أن العملية عبارة عن " ثأر أمني " بين جماعات دينية حديثة التكوين في سيناء وبين الأجهزة الأمنية ، وكانت هذه التحليلات قد كشفت عن أن البيان الصادر بتبني هذه العملية يكشف بوضوح عن " أبعاد محلية " رغم محاولته الالتصاق بما يسمى تنظيم القاعدة ، وتحديدا ما جاء في البيان بنصه " إننا إذ نؤكد على أن هذه العملية جاءت في سياق الرد على جرائم قوى الشر العالمية التي تستبيح دماء المسلمين في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان لنعلنها مدوية بأننا لن نهاب سياط جلادي مصر ولن نتسامح مع من يتجرأ ويمس اخواننا في سيناء البطولة وقسما سنثأر لشهداء سيناء الذين قضوا تحت سياط طاغوت مصر" ، وهو ما يؤكد على أن العملية هي " ثأر " بين تلك المجموعات المحلية وبين الأجهزة الأمنية مؤكدة على أن لافتة " تنظيم القاعدة " أصبحت مجرد شعار أو راية وليست بنية تنظيمية حقيقية ، التقارير الأمنية رصدت في هذا السياق تحول جماعات العنف الجديدة تلك من شمال سيناء حيث مدينة العريش التي تركزت فيها عمليات الجهاز الأمني عقب أحداث طابا ، إلى منطقة جنوبسيناء حيث الكثافة السياحية ، ولفتت إلى أن الأجهزة الأمنية كانت لديها معلومات أولية حول تحرك مجموعات مسلحة باتجاه جنوبسيناء ، وقد اشتبكت الشرطة بالفعل مع مجموعة منها في عمليات ضارية في منطقة " الطور " على بعد حوالي مائة كيلو متر من مدينة شرم الشيخ ، وكانت ضراوة المعركة التي استمرت لعدة أيام وقتل فيها عدد من رجال الأمن وأفراد من هذه المجموعة تكشف عن أن هناك تحضيرات خطيرة لأعمال قادمة في المنطقة السياحية القريبة . مصادر "المصريون" أشارت إلى أن " القيادة السياسية " كانت تملك تقارير غير محددة عن أن منطقة " شرم الشيخ " مستهدفة أمنيا ، وأن خطرا ما يحيط بها في الفترة الماضية ، التقارير لم تكن مصرية فقط ، بل هناك تقارير نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية منذ ثلاثة أسابيع على وجه التقريب تشير إلى أن مدينة " شرم الشيخ " معرضة لخطر الإرهاب ووجهت النصائح إلى السياح اليهود بالامتناع عن الذهاب إلى المدينة في الفترة المقبلة ، المصادر أيضا لفتت إلى الأخبار التي تحدثت عن وجود الرئيس المصري في منطقة " مرسى مطروح " في أقصى غرب الساحل الشمالي لمصر من أجل الاستجمام ، وهو أمر غير مألوف للرئيس مبارك في السنوات الأخيرة ، حيث يألف مدينة " شرم الشيخ " ويعتبرها مقره الدائم ، كما أن الفترة الحالية لم تكن تلائم الاستجمام لأنها مقبلة على استحقاقات الانتخابات وقرارات مصيرية حولها ، وحاولت المصادر الربط بين ذهاب الرئيس مبارك إلى مطروح وابتعاده عن " شرم الشيخ " على خلفية " هواجس " أمنية من مخاطر غامضة في المدينة . مصادر " المصريون " استبعدت البعد الخارجي في العمليات الأخيرة ، كما استبعدت فرضية وجود اختراق استخباراتي أجنبي للمجموعات المسلحة التي قامت بالعملية ، ولكنها لم تستبعد تهريب المتفجرات عبر البوابة " الإسرائيلية " أو عبر العقبة الأردنية ، وكانت المصادر الأمنية الإسرائيلية قد أشارت إلى أن المتفجرات دخلت عن طريق ميناء العقبة الأردني ، مصادر "المصريون" لفتت إلى أن العمليات رغم عنفها البالغ ، إلا أنها افتقرت إلى " التوجيه " السياسي ، لأنها استهدفت الأماكن " الأضعف أمنيا " وليست الأكثر كثافة سياحية ، مما جعل الحصيلة الأكبر للضحايا هم من المصريين العاملين في شرم الشيخ ، ورفضت مصادر "المصريون" الربط بين الحادثة وبين مناسبة ذكرى الثالث والعشرين من يوليو ، على خلفية أنها ليست من المعالم التي يهتم بها التيار الديني بشكل عام ، والجماعات العنيفة المتشددة بشكل خاص ، كما رفضت الربط بينها وبين استئناف محاكمات المتهمين في أحداث طابا اليوم الأحد أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بالإسماعيلية ، كذلك رفضت المصادر التسليم بوجود اختراقات أمنية للمجموعات المتشددة للجهاز الأمني ، ولكنها أشارت إلى ما يمكن تسميته " اختراقات إجرائية " عن طريق التساهل الأمني في السيطرة والرقابة على المنافذ وهي كارثة يصعب أن يفلت منها الجهاز الأمني الذي يضع أكثر من ثمانية عشر كمينا أمنيا مشددا في جميع الطرق المؤدية إلى مدينة شرم الشيخ . هذا وقد شدد خبراء أمنيون على أن الأجهزة الأمنية المصرية وقعت في عدة أخطاء فادحة في الخطة الموضوعة لتأمين مدينة شرم الشيخ ، رغم أهميتها السياحية والدلالة السياسية التي تمثلها ، مما سهل وصول منفذي التفجيرات إلى أهدافهم دون أي اعتراض من قبل رجال الأمن المكلفين بتأمين المدينة والمنشآت السياحية بداخلها . وأشار اللواء صلاح سليم الخبير الأمني والاستراتيجي إلى أن التقصير الأمني يظهر في عدة مظاهر ، منها عدم تأمين المكان خاصة بعد تفجيرات طابا ، التي كان السبب فيه اختراقا أمنيا نتيجة عدم تكثيف التواجد الأمني في تلك المنطقة ، بسبب اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ، مشددا على أنه يجب إعادة النظر في تلك الاتفاقية بعد مرور ربع قرن على توقيعها بما يضمن تأمين تلك الأماكن وتحصينها ضد أي اختراق أمنى. ولفت الدكتور أحمد الهواري أستاذ العلوم السياسية إلى مظهر أخر من مظاهر التقصير الأمني ، وهو انشغال أجهزة الأمن داخل العاصمة بسحق المتظاهرين المطالبين بالإصلاح السياسي والتوسع في سياسة اعتقال النشطاء السياسيين ، في الوقت الذي أهملت فيه المخاطر الحقيقية على الأمن القومي للبلاد مما أحدث هذا التراخي الذي سبب كارثة شرم الشيخ ، وأكد على إفراط الأجهزة الأمنية في استعمال القسوة والتوسع في الاشتباه في أعقاب أحداث طابا كانت خطأ فادحا . هذا وأشارت مصادر المصريون إلى أن قرارا صدر بوضع ملف التحقيقات في يد " جهاز أمني سيادي كبير " بما يشير إلى غضب الرئيس مبارك من التقصير الأمني الذي نسب إلى أجهزة وزارة الداخلية ، وأكدت على أن هناك متابعة للتحقيقات من جهاز أمني أجنبي واحد على الأقل يتواجد رجاله الآن بالفعل في مدينة شرم الشيخ . وكان المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية آفي بازنر قد عرض مساعدة أجهزة أمنية إسرائيلية في التحقيقات على خلفية وجود مصابين إسرائيليين في العملية ، إلا أن العرض الإسرائيلي قوبل برفض قاطع من قبل المحققين المصريين . هذا وقد قامت قوات الأمن بحملة اعتقالات واسعة في أوساط مصرية وعربية وفلسطينية في أعقاب الحادث في محاولة للسيطرة على الوضع والوصول إلى خيوط حاسمة للجريمة ، كما وضعت إجراءات أمنية مشددة في المنافذة الرئيسية ومطار القاهرة الدولي والمناطق الحيوية وخاصة مترو الأنفاق بالقاهرة .